BANG WOMEN (REVISED VERSION)

by Tarak Khanfir
27th August 2019

نساء الطّامّة (الجزء الأوّل)

في إحدى قرى الجنوب، عقد مجموعة من الفلّاحين اجتماعا ثوريّا في منزل مهجور.

 

- لقد تدهورت أوضاعنا بنسق متسارع في العقود الأخيرة حيث بلغت مستوى كارثيّا لا نحسد عليه (يقول نبيه)

- الوضع صار لا يطاق أبدا وعلينا صناعة التّاريخ (يجيب ربح)

- نحن قوم لطالما تغلغلت ونمت فينا قيم العزّة منذ القدم. (صياح الحاضرين) ولطالما كنّا جنودا فداء للخير والحقّ. ونحن نناشد السّيادة والحرّيّة على الدّوام. كان الوضع أفضل فيما مضى إذ كان الشّرّ ضعيفا ومنتشرا لدى فئة محدودة من النّاس. واليوم في قرننا الحديث هذا تضاعف الشّرّ وازدادت الجرائم والانتهاكات فظاعة بشكل كبير وراحت نسبة الأشرار في الأرض ترتفع أكثر فأكثر. (يردف نبيه)

(عويل وشتائم)

- نحن أبطال نصنع من الأمجاد والبطولات ما لم يشهد لها التّاريخ مثيلا. وسنبلغ يوما ما نريد وإن لم نبلغه في الحياة فنبلغ ما هو أفضل منه بعد الممات. (يجيب فادي)

(تدافع وضرب على الطّاولات)

- نحن نشتغل في الحقول صباحا ومساء مقابل الأكل والشّرب والسّكن و القليل القليل من الملّيمات الّتي لا تفينا حاجياتنا. مالكو الأراضي الأشرار يستغلّوننا أبشع استغلال. ويبطشون بكلّ من يتحدّى النّظام الرّوتيني المملّ الّذي فرضوه علينا. ويرتكبون في حقّنا الجرائم والانتهاكات.

 

 

(صياح كبير وشتائم)

 أنسيتم كيف كاد صديقنا شكيب أن يفقد حياته بسبب خطاب ثوريّ صدح به في مقهى ذات عشيّة؟ أو تريدوننا أن نرضخ ونسلّم ونرضى؟ كلّا فنحن الأبطال الأشاوس وما نحن بكلاب كما يعتقدون. (يقول حلمي)

(صياح وضرب على الطّاولات)

- نحن الشّعراء المهمّشون الطّامحون إلى ملء كيانهم الوجوديّ عبر الأفعال البطولية. ونحن لن نرضى بنظام المهانة و العبوديّة الّذي نعيشه اليوم. نحن نريد وضع حدّ لعيشة المذلّة الّتي نعيشها. ونحن نأكل حساء الفول كوجبة أساسيّة  ومالكي الأراضي الجوعى الّذين يستغلّوننا يتخمون بما لذّ و طاب من اللّحوم والأسماك والأجبان. ويتمتّعون بالصّولات والجولات الدّائمة وبالعطل في الفنادق في وقت تفنى فيه جهودنا في خدمة حقولهم. (يردف فادي)

(عويل وتدافع للجموع)

- نعم، نحن نصنع الثّورة ونصنع التّغيير الجذري والعميق في البلاد.  نريد نظاما جديدا وعهدا مغايرا في بلادنا. ونحن نأمل في معيشة أفضل من نظرائنا في الغرب. نعم، الفلّاحون الفقراء أمثالنا هم من يكتبون التّاريخ اليوم: تاريخ أبنائنا وأحفادنا الّذين سنسعى بكلّ جهودنا  لجعلهم يعيشون حياة أفضل من واقعنا اليوم. علينا أن نجتهد في عملنا الثّقافيّ والثّوري كما نجتهد في خدمة الحقول. نوفّق بين ما يجلب إلينا لقمة العيش وما يملأ كياننا الوجوديّ ويشبع نخوتنا. (يضيف ربح)

(تدافع وضرب على الطّاولات)

- نعم، الثّورة والتّغيير نصنعهما نحن اليوم لا غدا، اليوم بدأ الحراك، اليوم بدأ تأسيس العهد الجديد، اليوم بدأ التّحدّي و الصّدام، اليوم بدأ الجهاد. (يردف فادي)

******

وذات صباح غائم، جلس الشّابّ سمحون رفقة ربح في المقهى. قال سمحون: "أني لرجل مثقّف قرأ كمّا هائلا من الكتب العربية والغربيّة

ولي خبرة ورؤى فلسفيّة لن يفهمها أحد. صحيح أني من مواليد عام 66، لكنّي أعلم من الأشياء ما لا يعلمها الكبار وخضت من التّجارب  والمغامرات ما لم يجرؤ الكبار قبلي على خوضها. أنا شاعر متمرّس منذ الصّغر حيّرت قصائدي جهابذة اللّغة والآداب. وتركتهم في ليل السّهاد يتخبّطون وبإمكانك التّثبّت من الشّهادات. جئتكم بمشروع ثورة شجاع  وجريء ومتطوّر لن يتوقّعه منّي أيّ منكم. وكلّ الشّرف لي أن أنظمّ إليكم لأكون عضوا فعّالا في جمع الفوارس والشّعراء الشّباب." فردّ عليه ربح: "كنت أعرف أنّك رجل استثنائي منذ البداية وأنّك ستفحمني بما لم أكن أنتظره قبلك رغم خبرتي ورغم أنّي أكبرك في السّن بعدد من السّنوات. مرحبا بك في مقهانا الشّعريّ الّذي نرتاده كلّ يوم أو كلّ يومين. ولنا جلسة شعريّة اليوم في الرّابعة مساء يشرّفنا أن تكون أنت أوّل الحاضرين."

 دخل سمحون على الشّعراء الجالسين بكلّ ثقة وقال: "أنا سمحون الشّرعاني، جئت لأشارككم الشّعر." أخذ الشّعراء مقاعدهم جميعا حول الطاولة، وشرعوا يلقون قصائدهم.

******

ولئن عرفت سنوات الثمّانينات ازدهارا غير مسبوق في عقيدة المجاهدين. فقد لاحت في ريف الجنوب مجموعات مطالبة بالتّغيير تقوم أساسا عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.

******

 

- إنّ أصحاب الأراضي الظّالمين يشنّون حملاتهم المسعورة ضدّنا بقيادة زعيمهم الأخرق حمدي الّذي اجتمع بثلّة من الصّعاليك والإعلاميّين وخطباء المقاهي الحمقى في منزله وحرّضهم علينا وصوّرنا على أساس إنّنا مخرّبون نبشرّ بالفوضى ونهدّد مستقبل البلاد. (يقول سمحون)

(يكفهرّ وجه ميرا وتضرب على يد سمحون)

- إنّي لناقمة أكثر منك وأكثر من أي أحد على وضعية الفلّاحين الفقراء المزرية الّتي تزداد سوءا عقدا بعد عقد مع اتّساع تجمّع الظّلّام الجائعين الّذين يعاملوّننا كالعبيد. وجرائمهم تزداد فظاعة مع صعود كلّ جيل جديد منهم. وأريد أن أرى العديد من هؤلاء الظّلّام يتباكون على قدمي يوما. وأني لا أصبر ولا أهادن بل وكلّي استعداد أن أجمع الجمع. وأحمل ما تيسّر من سلاح قصد أن تهبّ الجحافل في الغد نحو الثّورة العارمة والتّغيير العميق في البلاد  والمنطقة. (ترد ميرا)

(يتنهّد سمحون ويضع يده على كتف ميرا)

- كلّنا نريد الثّورة وكلّنا نريد التّغيير ميرا. لكنّ ذلك لن يكون ممكنا وعلى أحسن ما يرام إلّا بالعقل والحلم والحكمة. فبئس أن نظلم أبرياء في خضمّ حربنا على قوم من المجرمين. ثمّ ولا تنسي إنّنا قوم مؤمنون ولا يجوز أن نعتدي إلّا إذا اعتدي علينا. فلنذهب ولنعد إلى عملنا بالحقول. (يردف سمحون)"

 

******

 تكاثرت التّظاهرات الثّقافيّة والجلسات الشعريّة في ريف الجنوب بشكل متسارع، والّتي ينظّمها سمحون وأصدقاؤه. وهي تظاهرات وأحداث جدّ ثوريّة تتناول مواضيع جوهريّة عميقة ووجوديّة. وهي تحدّ أكبر للظّلم و العدوان الّذي يمارسه أشرار طبقة النّبلاء في ريف الجنوب ولفرضهم لحياة العبوديّة  والاستغلال و الرّوتين و الإجهاد على الفلّاحين العاملين في حقولهم هناك، حتّى تصاعدت جماهير الثوّار من شعراء وخطباء وعامّة بريف الجنوب، والّذين يطالبون جميعا بالتّغيير وبتحسين أوضاعهم وردّ اعتبار الفلّاحين الفقراء، وقد احتدم الخطر على أشرار طبقة النّبلاء هناك ودخل زعيمهم حمدي في حالة هستيريا مسعورة.

 وفي أركان منزوية تحت أشجار الصّنوبر، تجلس جموع من الرّجال و النّساء معظمهم من الشّباب، وهم ناس لا يستحون أبدا من كسلهم واستهتارهم بالشّغل وهم لا يريدون العمل المملّ ويريدون عيش حياتهم كما يريدون ولهم خطابات  وطموحات و أحلام أعجب ما يكون، وقد كانوا يلعبون الورق تحت أشجار الصّنوبر من الصّباح إلى المساء.

******

 اجتمع حمدي في منزله بعدد من الأشرار، وشرع يخطب فيهم قائلا: "اليوم يحتدّ العدوان في حقّنا حتّى وصل عتبات منازلنا. ويحتدم الخطر حتّى صرنا لا نعلم إلى ما قد تسير إليه بلادنا في المستقبل، أن سمحون الشّرعاني ورفاقه الصّعاليك يبشّرون بمستقبل من الفوضى الهدّامة في البلاد ويفسدون النّاشئة ويسمّمون أفكارهم ولا يؤمنون سوى بالحرب والدمار. ذلك الصّبيّ الوقح، من يظن نفسه؟ إنّه يؤلّب جماهير الجهلاء علينا ويهدّد سبل رزقنا ورزق أبنائنا وأحفادنا ويبشّر بثقافة ظلاميّة هدّامة تجعل مستقبل بلادنا في خطر داهم وتقود الأجيال اللّاحقة نحو موبقات وضلالات لا تحمد عقباها. اليوم نجمع عقلاء البلاد والأشاوس المستعدّين للدّفاع عن حمانا حتّى الموت والعلماء العاقلون. اليوم نتّحد ونجمع قوانا حتّى نتصدّى لعصابات الفساد والخراب والدمار تلك وللصّبيّ الفاجر سمحون وصعاليكه الوقحين. وننقذ بلادنا ومستقبل أجيالنا ممّا لا تحمد عقباه."

(الجميع يصفّقون ويهتفون لفائدة حمدي)

وخلال الرّبيع الّذي بدأت فيه الأجواء تستعر أكثر فأكثر. كثرت التحرّكات الاحتجاجية الّتي نظّمها سمحون وأصدقاؤه البواسل.  وتصاعدت المناوشات بين جمع سمحون وحمدي وعصاباته والّتي بلغت حدّ العنف الشّديد في بعض الأحيان. وحصلت كذلك العديد من الاعتداءات الفرديّة الغادرة على عدد من القادة والشّعراء على أيدي أعوان حمدي.

وفي إحدى اللّيالي، كان أحد الشّعراء خارجا من جلسة ثقافيّة بعد أن ألقى قصيدة ثوريّة للغاية، فتسلّل خلفه أحد أعوان حمدي وضربه بهراوة على رأسه أفقده الوعي ثمّ انهال عليه رفاقه ضربا مبرّحا تركوه يتخبّط في دمائه وتسبّبوا له بكسر في إحدى أضلاعه. وفي عشيّة الغد، كان أحد أصدقاء سمحون متوجّها نحو اجتماع مع جمع ريف الجنوب الثّائر، فتسلّل خلفه اثنان من أعوان حمدي وشدّا ذراعيه ثمّ أسرع إليه اثنان آخران من الأمام واقتاداه نحو سيّارة راسية في طرف الطّريق. أركباه السيّارة واقتاداه نحو مكان مجهول. وفي إحدى الغابات، جرّدوه من ملابسه عدا سرواله الدّاخليّ وعلّقوه في شجرة صفصاف. وذات عشيّة، كان سمحون وجماعته يعقدون جلسة شعريّة اعتياديّة في المقهى الثّقافي. أقبل عليهم أعوان حمدي وشرعوا يقذفونهم بوابل من الحجارة، فسارع جميع الشّعراء إلى الاختباء تحت الطّاولات. وعندما نفذت حجارة المعتدين، خرج لهم الشّعراء وصاح فيهم أحدهم :"ألا فلتواجهونا الآن مواجهة فرسان إن كنتم شجعان حقّا." فرّ جميع أعوان حمدي هاربين كالخرفان المذعورة. وذات صباح، أقبل أحد أعوان حمدي على ربح، وقال له:" إنّي أرى سمحون بطلا ونابغة يبشّر بمستقبل مزهر لبلادنا، ولطالما كان يخدعني الأخرق حمدي وأتباعه الجهلاء." فردّ عليه ربح:" يبدو أنّك قد أكرمت اليوم بالصّحوة الّتي نرجو أن تعمّ باقي الجهلاء المخدوعين بعد أن يلوح عليهم نور الحقّ." فردّ عليه الرّجل: "اليوم أعلن انشقاقي عن المريض حمدي و مساعدتي ودعمي لسمحون. واليوم سأدلّكم عن مكان صديقكم سامح العزيز المختفي منذ أسبوع. إنّه مربوط إلى شجرة صفصاف في الغابة الجنوبيّة الغربيّة بعد المحكمة، وهو لا يرتدي سوى سرواله الدّخلي ويتلقّى معاملة سيئة للغاية." أسرع سمحون وأصدقاؤه وقاموا بتحرير سامح، وقد حصلت عدد من الانشقاقات الأخرى في صفوف حمدي.

وذات عشيّة صيفيّة في ريف الجنوب، كان سمحون يجتمع بأنصاره، وقد راح يخطب فيهم قائلا: "ذلك الأخرق حمدي قد تجاوز جميع حدوده معنا وصار معتديا من الظّالمين. قد انتهكت حدودنا ومورس علينا العدوان فعلينا بالصّدام والرّدّ على عدوانهم بالمثل. اليوم يضرب ويهان أفاضل رجالنا ونسائنا على أيدي صعاليك حمدي الأوباش. وهم قوم من العداة يسعون إلى إعلاء كلمة الباطل على كلمة الحقّ وإلى جعل السّافل سيّدا على الفاضل. كلّا نحن نحمي الحمى والحرمات ولن نتنازل على ذرّة من حقّنا انتزعت منّا ولو خضنا ألف حرب وسالت دماء الآلاف. إذا اعتدوا نعتدي وإذا انتهكوا ننتهك، كذا جهادنا الحقّ. وكذا نعلو على الشّرّ والظّلم والباطل نقهره شرّ قهر. بالأمس كنّا حليمين نتغاضى ونسالم لكنّ اليوم طفح الكيل، اليوم نقارع كلّ من يعتدي علينا."

قام سمحون وأعوانه في بداية الأمر بتعقّب جميع أعوان حمدي في كنف السّريّة والتّجسّس عليهم وأخذ جميع أسرارهم. ثمّ بدأ أصدقاء سمحون يعترضون صعاليك حمدي ويضايقونهم حتّى يدفعوهم إلى الاعتداء عليهم فتبدأ من هنا المعارك بين جموع سمحون وجموع حمدي. وقد كانت ميرا تشرف على مقرّ أعدّ لتعذيب جموع حمدي في الشّرق، وهيام تدير مقرّا لتعذيبهم في الغرب. فمن غلب في المعارك من جموع حمدي ولم يعد يقوى على المواجهة ولا الهروب تقتاده جموع سمحون إلى المنزل الّذي تشرف عليه ميرا، وأمّا من تمكّن من الهروب منهم فتسارع سلوى ونساؤها إلى القبض عليه واقتياده إلى المنزل الّذي تشرف عليه هيام، وكانت صديقات سلوى تتقاسمان مهام التّعذيب داخل كلّ من المنزلين. وقد كان التّعذيب يقوم أساسا على حبس أعوان حمدي في غرف مظلمة وإطلاق الخفافيش عليهم لترعبهم من الفوق والدّبابير لترعبهم من التحت، وقد كانت النّساء داخل المنزلين يتعمّدن إصدار أصوات بين الحين والآخر من أجل إدخال المزيد من الرّعب عليهم، وكنّ كذلك يلقين عليهم بعض الأجسام الصّلبة بين الحين والآخر. وفي تلك الأثناء، قام المنشقّون عن حمدي الّذين صاروا عملاء سرّيين لسمحون يسرّبون العديد من أسرار حمدي وجماعته إلى أنصار سمحون من النّساء.

 خلال تلك الصّائفة، تضاعفت المعارك العنيفة بين سمحون والمجاهدين من جهة وحمدي وجماعته خلّفت عشرات الجرحى. وقد قام حمدي بتلفيق قضيّة ضدّ سمحون بتواطؤ من السّلطات اتّهمه فيها بضربه بحجر على رأسه، فحكم عليه القاضي العميل بشهرين من السّجن. عاش إثر ذلك سمحون أياما عصيبة في السّجن يمنع عليه أبسط حقوقه كسجين.

وبعد مضيّ فترة في السّجن، اجتمع سمحون بميرا وصديقتها هيام الّتان كانتا في استقباله وقد نحل جسمه وتشعّث شعره ونمت لحيته.

 

- عزيزي سمحون، أنا أقدّر مجهوداتك وبسالتك في الجهاد والحرب. لكنّي جئتك اليوم لأقدّم لك ملاحظة مهمّة لن تعلمها أبدا ما لم تكسب صديقة امرأة مثلي. جئت أحذّرك من النّساء ومن خطرهن الداهم الّذي يفوق خطر الرّجال بآلاف الأضعاف. (تقول ميرا)

- جميل ما أسمعه منك صديقتي ميرا، أعرف ذلك جيّدا. (يجيب سمحون)

(ينظر سمحون إلى شجرة الصّفصاف)

- وأنا جئتك اليوم لأكون خير حليفة لك في نشاطك الثّقافيّ والجهاديّ. (تقول هيام)

- حسنا يا هيام سنكون معا ونضع اليد في اليدّ من أجل مواجهة هذا الظّلم ودحره. ما أسعدني بكما صديقتين وحليفتين نجمع قوانا لنكون رهانا مستقبليّا كبيرا في البلاد. (يجيب سمحون)".

وذات عشيّة، استدرجت هيام حمدي عن طريق أحد أصدقائها حتّى يجتمع بها على انفراد في المقهى، وقالت له:" جئت اليوم أبادرك بالحسنى فردّ عليّ بالحسنى، وإنّ ما فعلته مع سمحون لظلم عظيم." فردّ عليها حمدي: "سمحون هذا يهدّد مستقبلي ومستقبل أصدقائي ومستقبل البلاد، وأنا في حرب معه وهو كذلك في حرب معي ما دام جمعه يخرّبون تاريخنا." فردّت عليه هيام: "اسمع يا حمدي، يبدو أنّ كلامك معي يتّسم بالعدائيّة وإن لم تقصد ذلك. ألا فلتعلم أنّي أمسك بمعظم خيوط لعبتك أنت و صعاليكك الجهلاء وأنّ القاضي العميل الّذي حكم على سمحون بشهرين من السّجن يعيش تحت رحمتي اليوم." فردّ عليها حمدي: "حسنا، سنرى ماذا أنت فاعلة يا هيام."

استبدّت صديقات ميرا وهيام الّاتي سبق وأن سرّب لهنّ عدد من المنشقّين السّرّيّين عن حمدي عددا من الأسرار بعدد من أعوان حمدي، وأقمن معهم العلاقات وتعمّدن التّصرّف معهم بكيد عظيم وبمنتهى العجب حتّى يلخبطنهم ويصبنهم بالجنون ويؤثّرن سلبا على كيفيّة عملهم اليومي وكذلك على تصرّفاتهم وعلى علاقاتهم مع النّاس.

 وذات مساء شتويّ شديد الصّقيع، استدرجت سلوى القاضي الّذي حكم بسجن سمحون نحو لقاء منفرد معها عن طريق صديقة لها أوهمته بموعد عاجل يخصّ قضيّة سياسيّة خطيرة تورّط فيها أحد نوّاب البرلمان. شرعت سلوى توهمه أنّها تفتح معه تحقيقا يجمع بين الصّحفيّ والقضائيّ فيما يخصّ تلك القضيّة الوهميّة الّتي كانت تستدرجه من خلالها إلى أن يتحدّث بالضبط عن القضيّة الظّالمة الّتي لفّقت لسمحون، فوقع القاضي في الفخّ وبدأ يفضح جوانبا خطيرة من فساده وفساد اللّوبيات الّتي تقف وراءه وفضائح تكوين وفاقات إجراميّة تجمع بين نوّاب برلمان ورجال قانون وقضاة تتحالف مع أصحاب الأراضي الأشرار وعصاباتهم الإجراميّة، وقد كانت سلوى توهمه دوما أنّها تقف في صفّه وصفّ حمدي وأنّها تشتغل مع جريدة أوروبّيّة يتبع خطّ تحريرها هاته الطّبقات المهيمنة المجرمة. ولم يكن القاضي المخدوع يعلم أنّه على الهواء مباشرة في بثّ يخصّ إحدى الإذاعات القريبة، وأنّ العديد من النّاس كانوا يستمعون إليه في المذياع وأنّ أتباع سمحون كانوا يوثّقون الحصّة، فانتشرت الفضيحة الكبرى في الغد ووقع القاضي العميل وحمدي في حرج كبير.

وفي تلك الأثناء، وبعد أن أقامت صديقات ميرا وهيام علاقات مع عدد من أعوان حمدي وسبّبن لهم الجنون واللّخبطة في البداية وأغوينهم وجعلنهم يحبوهنّ، شرعن يستدرجنهم في الحديث ثمّ يصدمنهم بعلمهنّ بالعديد من أسرار حمدي وجماعته الّتي ستقود جميع من عملوا ضدّ سمحون نحو الهاوية، وقلن لهم أنّهنّ يعلمن أكثر من ذلك بكثير وأنّ أجهزة الدّولة والإعلام المحلّيّة قد صارت تحت رحمتهنّ بعد أن أحكمن قبضتهنّ عليها. وقد عرضن عليهم إنقاذ أنفسهم وقلب أوضاعهم وتحسين حياتهم عبر الانشقاق عن حمدي والعمل تحت لواء سلوى في كنف السّريّة المطلقة وهم يوهمون حمدي وجماعته أنّهم مازالوا يتبعونهم، وقد أخبرنهم كذلك أنّه عليهم بتسريب المزيد المزيد من الأسرار الّتي تتعلّق بحمدي وجماعته وخطط حربهم على سمحون وأصدقائه، تقوم سلوى بتوثيقها جميعا عبر آلة التّصوير الخاصّة بها. وبذلك حصلت الانشقاقات السرّيّة الكبرى في صفوف حمدي وجماعته وتفرّقت صفوفه وصار الخطر محدقا به ووضعه متدهور.

 

وذات صباح شتويّ، اجتمع حمدي مع أقرانه الأشرار في منزله مجدّدا. وقد تمّ إعداد مائدة تحتوي ما لذّ وطاب من المـأكولات الفاخرة ومعها المشروبات الرّوحيّة. و راح يخطب فيهم قائلا: "

 

-اليوم ضربنا في الأعماق وأهنا في عقر ديارنا وبتنا في خطر التشرّد  والضّياع وبلادنا تؤول إلى مستقبل مظلم. ذلك الصّبيّ المشاغب سمحون قد خرّبها فوق رؤوسنا جميعا. لقد عمد مؤخّرا إلى سرقة بعض الماشية وبيعها بدعوى أنّه يستردّ دينا ماطلناه في شأنه طويلا.

-الحقير سمحون، صرت أشعر بالغثيان كلّما نظرت إلى صورته قهر أعتى رجالنا. وقد نشر الرّعب والفوضى في الرّيف. وصار فعلا يسير بالبلاد تدريجيا نحو الفوضى الهدّامة. (يصرخ أحد الحاضرين)

- قد أعددت لهؤلاء المجرمين خطّة من نوع خاص تفوق انتظاراته.  لقد جنّدنا عددا من البطلات العالمات للتصدّي لهم. (يجيب حمدي) "

 وذات ظهر مشمس، كان شاعران صديقان لسمحون جالسان تحت شجرة الصّفصاف. أقبلت عليهما امرأة وقالت لهما: "أنا حكيمة بن عمر، شاعرة مبتدئة لها رؤى كبيرة. إنّي لجدّ منبهرة بالشّاعر الكبير سمحون الشّرعاني، وأرغب في الانضمام إلى جمعكم وتعلّم الشّعر منكم." وفي الرابعة مساء، أخذ صديقا سمحون حكيمة إلى الاجتماع الدّوري في المقهى الثّقافي الّذي يحضره سمحون وجماعته. أثارت قصائد حكيمة الخرقاء ضحك الجميع داخل المقهى الثّقافي، لكنّ سمحون قد أقبل عليها في آخر الجلسة فيما بعض، ووضع يده على كتفها وقال لها: "مازلت في بداية الطّريق، وتحتاجين جهدا كبيرا لتتحسّني." وقد جلست امرأة غريبة أخرى داخل المقهى الثّقافي ظلّت تحتسي قهوتها وهي لازمة الصّمت.

وفي المساء، اجتمعت هيام بسمحون قرب النّهر، وقالت له:"

 

-كما كنت أتوقّع. لقد صار حمدي يستعمل النّساء في حربه الاستخباراتيّة عليكم.

-إنّه فعلا لثعلب ماكر. (يجيب سمحون)

-جئت لأحذّركم اليوم من المرأة الجاهلة الّتي حضرت معكم جلستكم الشّعريّة داخل المقهى الثّقافي وادّعت عليكم أنّها شاعرة. إنّها إحدى نساء حمدي جاءت لتتجسّس عليكم وتستدرجكم نحو المصائب.

-سنلزم تمام حذرنا من تلك المرأة وسوف لن نمنحها جانب الأمان بعد ذلك أبدا.

-لا تقلق عزيزي سمحون، لقد بعثت بإحدى صديقاتي إلى المقهى الثّقافي وقد حضرت معكم كامل الجلسة ولم تنتبهوا لأمرها، وقد كلّفتها أساسا بمراقبة عميلة حمدي. جئت أحذّركم مجدّدا من عدد من نساء حمدي اللّاتي سيقمن علاقات صداقة معك ومع جميع أقرانك الشّعراء وسيدّعين أنهنّ هنّ الأخريات مهتمّات بالشّعر حتّى يحضرن اجتماعاتكم الدّوريّة داخل المقهى الثّقافي ويتعقّبنكم في العديد من المواضع الأخرى.

-وماذا أنت فاعلة يا هيام بشأن ذلك؟

-لا تقلق عزيزي سمحون، أنا الأخرى أشرف على جيش استخباراتيّ من النّساء هنّ أدهى بكثير من نساء حمدي، وإنّي أعدّ خطّة محكمة من أجل الإحاطة بأولئك العميلات واحتوائهنّ."

 

وقد أقامت إحدى عميلات حمدي علاقة حميمة مع أحد أصدقاء سمحون الشّعراء، وقد سبق وأن نبّه سمحون أقرانه إلى ما حدّثته به هيام فلم يعط صديق سمحون مدّعية الاهتمام بالشّعر أيّ ثقة ولم يسمح لها أن تطّلع على أيّ من أسرار سمحون الّتي تخصّ حربه مع حمدي. وقد كانت في كلّ مرّة تحضر إحدى نساء هيام الجلسة من أجل أن تراقب جميع نساء حمدي هناك ثمّ تتعقّب بعضهنّ بعد الجلسة هي وبعض من مساعداتها في كنف السرّيّة التّامّة.

وفي آخر الشّتاء، وفي إحدى الاجتماعات الشّعريّة داخل المقهى الثّقافيّ، أقبلت امرأة إلى تلك المرأة الّتي أقامت علاقة حميمة مع صديق سمحون، وقالت لها:"

 

-مرجبا عزيزتي، سمعت أنّك مهتمّة بالشّعر وأنّك قد قرّرت مؤخّرا أن تصبحي شاعرة.

-إنّك على حقّ فالشّعر هو مالئ كياني وأريد أن أصبح شاعرة تصدح في المنابر الدّوليّة. (تجيب الجاهلة)

-أنا ناقدة أدبيّة جئت لأكون أستاذتك ومدرّبتك في الشّعر، وقد وقع اختياري عليك أنت بالذّات لأنّك تملكين الدّهاء والموهبة وتستحوذين على روح الشّاعرة النّبيلة ولك رؤى تتجاوز رؤى العامّة.

-شكرا سيّدتي، أعدك أن أكون تلميذتك النّجيبة والمجتهدة."

 

أقبلت نساء أخريات ادّعين أنّهنّ تلميذات تلك النّاقدة على عميلات حمدي، وأقمن علاقات صداقة مع جميع عميلات حمدي وصرن يرافقنهنّ في كلّ مكان ويخضغن معهن إلى حصص تدريب شعريّ في منزل تلك النّاقدة الّتي هي في الحقيقة إحدى أعتى نساء هيام ونساء حمدي لا يعلمن من الحقيقة شيئا، مظهرات أنفسهنّ على أنّهنّ مجرّد شاعرات مبتدئات بسيطات التّفكير لا محاربات مخابرات داهيات يشتغلن هنّ الأخريات تحت لواء هيام. وأثناء كامل تلك الحرب الاستخباراتيّة، تمكّنت هيام ونساؤها من الحصول على جميع المعلومات الّتي تخصّ حمدي وأقرانه الأشرار ونساءه وخططه الحربيّة ضدّ سمحون، وقد أخبروا بها سمحون وأقرانه جميعها أوّلا بأوّل وهو ما ساعدهم على تفادي كيد حمدي ونسائه في الحرب الاستخباراتيّة وحسمها لصالح سمحون وميرا وهيام  وقبر جميع مخطّطات حمدي التّدميريّة ضدّ سمحون وجماعته.

وذات عشيّة ربيعيّة، كان سمحون وجميع أصدقائه متوجّهين نحو اجتماع ثوريّ. أقبل عليهم عدد من صعاليك حمدي وعمدوا إلى مضايقتهم ثمّ الاعتداء عليهم، وهو ما فتح باب المعركة الطّاحنة داخل الغابة. وقد كانت معركة عنيفة استعملت فيها العصيّ والحجارة وأبدى فيها سمحون وجماعته شجاعة وشراسة لا نظير لها ولم يقدر على مجاراتها صعاليك حمدي الجبناء الذين فرّوا كالخراف المذعورة. وقد خلّفت تلك المعركة عددا من الجرحى بين الطّرفين.

 

               

******

وفي إحدى غابات ريف الجنوب، اجتمعت امرأة بالمفتّشة المناضلة فداء، وقالت لها:"

-لطالما كنت إحدى نساء حمدي اللّاتي يعملن معه باجتهاد. لكنّي أملك ذرّة من العزّة عكس باقي نسائه الجاهلات، وأنا الأكثر وعيا بالخور والفساد الّذي يعمّ محيط حمدي وقد ضجرت الوضع وقرّرت أن أنشقّ عنه وأتعاون معكم لحلّ العديد من الملفّات القديمة والرّاهنة.

-يبدو أنّك جئت كي تساعديني في معركة استخباراتيّة عويصة وأن تحلّي عنّي العديد من القضايا الّتي ما تزال ملغزة إلى اليوم. (تجيب فداء)

-هذا بالضّبط ما جئت من أجله. وقد جئت أحذّرك أنت وجميع أصدقائك من قاضية شرّيرة غاية في الخطورة تدعى سنية الجليلي. (تردف المرأة)

-وما قصّة هاته القاضية؟ لم أسمع قطّ عن هاته المرأة؟ (تتساءل فداء)

-تلك المرأة قد كوّنت وفاقا إجراميّا خطيرا يضمّ نائبا في البرلمان وعدد من المحامين وأهل القانون الفاسدين، وهو وفاق يعمل أساسا على تلفيق قضايا في منتهى الخطورة ضدّ المناضلين والمتكلّمين الأحرار تصل حدّ التّآمر على أمن الدّولة. (تنظر إليها فداء باهتمام بالغ) ويعمل ذلك الوفاق كذلك على دعم عدد من المجرمين والإرهابيّين عبر تسهيل عملهم الخارج عن القانون وتبرئتهم من جميع التّهم المنسوبة إليهم أمام القضاء ومساعدتهم على القيام بجرائم واغتيالات في حقّ العديد من الثّائرين المطالبين بالتّغيير ثمّ تلفّق تلك الجرائم لبعض الأبرياء أو تظلّ مسجّلة ضدّ مجهول. وهي كذلك على علاقة بعدد من التّنظيمات الإرهابيّة الدّوليّة وهي متورّطة معها حتّى النّخاع. وتتعلّق بتلك القاضية كذلك عدد من ملفّات الفساد الأخرى من الطّراز الأوّل. (تقول المرأة)

-إنّها لمجرمة من الصّنف الخطير وهي تشكّل خطورة على البلاد بأكملها. فهل تراك قادرة على مساعدتي كي نتصدّى لتلك المرأة ونحبط مخطّطاتها؟ (تتساءل فداء بحماس)

-تلك المرأة على علاقة صداقة حميمة بحمدي وهي تساعده في العديد من قضاياه وهو يعوّل عليها كثيرا ويثق بها، لكنها في ذات الوقت تخدعه بين الحين والآخر وتكثر من مغالطتها إيّاه وهي تشكّل خطرا كبيرا عليه هو الآخر. لقد حضّرت لك ملفّا كاملا كاف كي يدين تلك المرأة بجميع الجرائم المنسوبة إليها، وأنا أطلب منك اليوم أن تتعاوني مع صديقتيك ميرا وهيام في حربنا الشّرسة على هاته الشّرّيرة. (تردف المرأة)

-وهل تملكين معلومات تخصّ بعض المخطّطات الإرهابية القريبة والبعيدة لسنية؟ (تسأل فداء)

-إن سمحون الشّرعاني وربح بن قادر هما على رأس المهدّدين بالتّصفية الجسديّة على يدي سنية ونسائها المجرمات اللّاتي لا مجال للمقارنة بينهنّ وبين نساء حمدي الضّعيفات. وهنّ بعد ذلك يعددن مخطّطا إرهابيّا غاية في الخطورة يستهدف البلاد بأكملها بعد أن يقتلن سمحون وربح وعدد من رفاقهم الشّعراء. (تجيب المرأة)."

اجتمعت فداء بميرا وهيام ونبّهتهما إلى كلّ ما قالته لها عميلة حمدي المنشقّة، وقد اتّفقن جميعا على محاربة سنية وجميع نسائها وإحباط مخطّطها الإرهابيّ. تمّ إعداد نسختين من ملفّ إدانة سنية. وقد تولّت فداء تقديمه إلى القضاء وصارت سنية أحد أبرز المطلوبين للعدالة في جرائم من الدّرجة الأولى وصدرت في حقّها عدد من الأحكام الغيابيّة. أمّا ميرا وهيام، فقد أعددن نسخا أخرى من الملفّ وأرسلنها إلى عدد من الصّحفيّين المناضلين حول العالم، فصدحت فضيحة سنية العظمى في الإعلام الدّولي الثّائر، واختفت ولم يعرف لها خبر بعد ذلك.

وذات مغرب، وبينما كانت عميلة حمدي المنشقّة عائدة إلى منزلها، هجمت عليها عدد من النّساء من أنصار سنية وقمن باختطافها وإرغامها على الرّكوب في سيّارة راسية قرب شجرة الصفصاف بعد أن ظللن يراقبنها لمدّة يومين. اقتادت مجرمات سنية المرأة الّتي بلّغت عنها فداء نحو مكان مجهول ولم يعرف لها هي الأخرى خبرا بعدها.

وفي الغد، وذات ليلة شتويّة، كانت هيام متوجّهة من أجل أن تسهر قليلا مع ميرا وفداء قرب النّهر ويتجاذبن أطراف الحديث. هاجمتها مجرمتين تتبعان سنية وحاولتا الاعتداء عليها، فاستبسلت هيام في الدّفاع عن نفسها وفي قتالهما بكلّ جسارة وبسالة. وسرعان ما هبّب ميرا وفداء لنصرة هيام في العدوان الّذي تعرّضت له فانضمّت امرأتين آخرتين إلى مجرمتي سنية، وبدأت المعركة العنيفة الّتي استعملت فيها العصيّ والحجارة. وقد أبدت ميرا وهيام وفداء شجاعة وشراسة لا مثيل لهما في القتال وكنّ صلبات ثابتات في الحرب أرعبن مجرمات سنية وكنّ أقوى منهنّ في القتال سواء من حيث التّكتيك والدّهاء الحربيّ والميداني، أو من حيث القدرة على الصّمود والثّقة بالنّفس. حسمت المعركة أخيرا لصالح هيام وميرا وفداء، وقد أصيبت هيام وفداء بجروح خفيفة وفرّت نساء سنية مسرعات.

******

وقد كان هناك فلاّح فقير في ريف الجنوب اسمه نسيم، له ابنتان وولد، عانى الظلم والقهر لأنّه يقول كلمة الصدق ويدافع عن المظلومين. و قد كان أعوان حمدي يهاجمونه في العديد من المناسبات ويوسعونه ضربا مبرّحا سواء في الخارج أو حتّى داخل منزله على مرأى ومسمع من ابنته الكبرى شامة، وهو لا يملك القوّة حتّى للدّفاع عن نفسه. ومن أجل كلمة حقّ قالها ذات مرّة في مجلس وهو يدافع عن فلّاح فقير تعرّض إلى مظلمة كبرى، قامت القاضية سنية ووفاقها الإجرامي بتلفيق قضيّة ضدّه تتعلّق بالتآمر على أمن الدّولة وحكمت عليه بالإعدام. لكنّ القضاء أنصفه في الاستئناف وحكم عليه بعدم سماع الدّعوى وأطلق سراحه لأنّ ملفّ القضيّة فارغ.

أثار كلّ ذلك حفيظة ابنته الكبرى شامة الّتي صارت تسعى إلى امتلاك الجبروت والقوّة اللّذان يناقضان ضعف والدها ووداعته. وقد كانت شامة تعرف أحد أصدقاء والدها الّذي يعرف مجاهدي ريف الجنوب وبإمكانه أن يكون أحد أطراف الخيط الّذي سيوصلها إلى القاضية الشرّيرة سنية. قصدت شامة ذلك الرّجل وأخبرته بمشكلتها وطلبت منه أن يدلّها على أكثر المجاهدين الّذين يعرفهم قدرة على مساعدتها، فدلّها على فادي، أحد أصدقاء سمحون.

ذهبت شامة إلى فادي، وقالت له:"

-لقد جئت أقصدك اليوم في قضيّة خير وحقّ. وأريدك أن تحدّثني بما تعلم عن القاضية الشّرّيرة سنية الجليلي الّتي عاثت في البلاد فسادا كثيرا.

-إنّ تلك المرأة تكوّن وفاقا إجراميّا من أجل مساعدة المجرمين والإرهابيّين في الوقت الّذي تلفّق فيه قضايا ضدّ المجاهدين الثّائرين تقودهم نحو حبل المشنقة في بعض الأحيان، أو تتمّ تبرئتهم في محكمة الاستئناف إن كانوا محظوظين. (يجيب فادي)

-وهل تعرف أحد أعوانها السّرّيّين الّذي قد نكون نعرفه جميعا ويكون قريبا منّا. (تتساءل شامة)

-إنّها على علاقة حميمة مع حمدي بن فرادة، وهو يملك أكبر مساحات من الأراضي في ريف الجنوب. (يردف فادي)."

وذات عشيّة صيفيّة، جلست شامة تحت شجرة الصّفصاف، وقالت:" إنّهما إذا سنية وحمدي، أصل المشكلة وسبب بلائنا الأوّل. إنّي أعلن اليوم الحرب عليهما، نعم الحرب الحامية الّتي لن تنتهي إلّا بفناء أحدنا."

******

مرّت السّنين وتوتّرت الأوضاع أكثر في ريف الجنوب، وذات صباح شتويّ، اجتمع سمحون وميرا وهيام بالفوارس في إحدى غابات ريف الجنوب  وراح سمحون يخطب فيهم قائلا: "اليوم يشتدّ العدوان علينا وتطالنا الانتهاكات في عقر ديارنا حتّى بتنا مهدّدين في أرزاقنا وفي أرواحنا. صبيان الأخرق حمدي قد تمرّسوا بمضايقتنا والتّآمر علينا، وأوضاعنا تتدهور أكثر فأكثر على مرّ السّنين. ونحن اليوم بتنا نضرب أكثر من أيّ وقت مضى في عمق عزّتنا وكياننا الوجوديّ. اليوم يحاربوننا ولن يتركونا نعيش سالمين وسواء واصلنا في ثورتنا أم تخلّينا عنها. واليوم نصعّد في الثّورة عليهم وجهاد الحرب ضدّهم فهم قد تحالفوا مع عدد من الأطراف الأجنبيّة. إما نهزمهم وإما نموت." قاطعته هيام  وقالت: "بالأمس كنّا نعاني من حمدي وجماعته واليوم مازلنا نعاني منهم، وقد انضاف إليهم عدوّ أكثر شرّا وأشدّ خطورة، إنّها شامة ونساؤها، مجرمات لم يشهد لهنّ التّاريخ مثيلا."

 وفي عشيّة ذلك اليوم، اجتمع حمدي بأصدقائه الأشرار في منزله،  وراح يخطب فيهم قائلا :"الصّبية الصّعاليك قد خرّبوا عرشنا وتجاوزوا جميع خطوطهم الحمراء معنا. إنّهم يفسدون الشّبيبة. وينشرون الفوضى  والخراب ويهدّدون مستقبل المواطنين الهادئين المسالمين. ونحن لن نرضى بأن تذهب بلادنا نحو المجهول. إنّ سمحون الشّرعاني قد جمع حوله جموعا عدّة وتمكّن من الاستحواذ على أدمغة العديد من الشّباب الضّائعين. وهو يجمعهم في إجرامه ومطالبه المتعجرفة والجائعة الّتي تذهب على حساب أرزاق العامّة ومستقبل البلاد. ذلك الوغد هو اليوم أكبر خطر يهدّد مستقبل البلاد. لم يعد من مجال للسّكوت والمهادنة ولا حتّى التّفاوض. إنّها الحرب، نعم إنّها الحرب."

 كثرت احتجاجات الفوارس  وكثرت معاركهم مع جماعة حمدي الّتي خلّفت عددا من الجرحى. وقد كثّف سمحون من جهته من تظاهراته الشعريّة والثّقافيّة مع فوارسه.  وكثّفت ميرا وهيام والنّساء من تظاهراتهنّ الثّقافيّة واجتماعاتهنّ الاستخباراتيّة، وتخلّلتها بعض الاعتداءات من مندسّين أشرار. وخلال أحد الاجتماعات الشّعريّة بالمقهى الثّقافي، وبينما كان الشّعراء الشّباب متحمّسون في إلقاء قصائدهم الهادفة الّتي حرّكت الأجواء أكثر، عمد بعض من أتباع حمدي المندسّين إلى إلقاء المفرقعات داخل المقهى قصد التّشويش على الجلسة، وهو ما أثار حالة من الفوضى وبعضا من الرّعب لدى عدد من روّاد المقهى. وسرعان ما عمدوا فيما بعد إلى ألقاء قنابل على وجوه الشّعراء تحتوي على غراء ممزوج بالغبار، وقد لوّثوا بها وجوههم وثيابهم. انتهت الجلسة بمعركة حامية بين الشّعراء الشّباب الثّائرين وأعوان حمدي المندسّين هرب خلالها من أفسدوا الحفل كالخراف المذعورة.

 وقد بدأت قاعدة سمحون الشّعبيّة تتّسع أكثر فأكثر فانظمّ إليه كثير من الشّباب. وقد احتدّت الصّدامات بين سمحون وجماعته من جهة و حمدي وأقرانه من جهة أخرى حتّى بلغت منحى خطيرا. وقد صار أتباع حمدي يعمدون باستمرار إلى مضايقة سمحون وأنصاره في الطّريق والاعتداء عليهم، وهو ما صعّد وتيرة المعارك والصّدمات الّتي يبدي فيها سمحون وأنصاره شجاعة وبسالة كبيرتين في الدّفاع عن أنفسهم ودحر عدوان جماعة حمدي. وقد كانوا كذلك يهاجمون العديد من اجتماعاتهم الثّوريّة وجلساتهم الشّعريّة بالحجارة ويدخلون مسلّحين بالهراوات للاعتداء عليهم في الدّاخل في بعض الأحيان. وعلى ضوء الحصّة الإذاعيّة المباشرة الّتي استجوبت فيها سلوى القاضي الّذي حكم ذات يوم بسجن سمحون والّتي وثّقها جماعة سمحون، وما تبعها من استدراج سرّيّ لذلك القاضي وأخذ المزيد من المعلومات وأدلّة الإدانة بالفساد ضدّة و ضدّ شريكه حمدي، وزيادة على عدد من المعلومات وأدلّة الإدانة الأخرى الّتي أخذتها نساء هيام من عند نساء حمدي اللّاتي أقمن معهنّ علاقات صداقة قائمة ظاهريّا على التعاون في الشّعر وحضور الجلسات الشّعريّة باستمرار، وقد كان أحد ضبّاط مركز الشّرطة المحلّي مورّطا في الفساد مع القاضي الّذي حكم بسجن سمحون و شبكته وقد حصلت جماعة سمحون على العديد من الوثائق الّتي تدينه شرّ إدانة، قام سمحون وجماعته بتقديم ملفّ فساد إلى القضاء ضدّ حمدي وجميع شركائه. وقد كان تدخّل السّلطة لصالح سمحون، والّتي حكمت على حمدي بدفع تعويضات ضخمة لسمحون وجماعته. هزم حمدي وصعاليكه الهزيمة السّاحقة.

 وذات صباح ربيعيّ، أقبلت شامة على حمدي في منزله، وقالت له:

-أنا أقدّرك كثيرا سيّد حمدي، وإنّي لجدّ متعاطفة معك في محنتك مع سمحون الشّرعاني، و جئت لأشتغل معك وأعينك بذكائي واجتهادي.

-جميل ما أسمعه منك شامة، فما الجديد الّذي يمكنك أن تفيديني به في شغلي الّذي يتدهور أكثر فأكثر، وفي مشكلتي الكبرى مع سمحون.

-جئت أنذرك اليوم أنّ سمحون قد تحالف مع عصابات إجراميّة دوليّة، وهو يوحّد صفوفها من أجل أن يحتلّ جميع أراضيكم ويشرّدك أنت وجميع أنصارك. هم يسعون إلى احتلال البلاد والهيمنة عليها وإحداث الفوضى.

-إنّك تقولين كلاما زاد من خوفي من سمحون واهتماما بك. فيبدو أنّك ستغيّرين حياتنا، نعم يبدو أنّك البطلة الشّابّة الّتي ستنقذ بلادنا من مخطّط تدميريّ عظيم.

-أعلمك أنّ عصابات سمحون تخطّط للإطاحة بجميع شبكاتك والاستحواذ عليها عبر التّحيّل القانوني والعقود الملغومة، وجئت اليوم أنا وبعض من معيناتي حتّى نعيد تسيير جميع شبكاتك ونتجاوز الأزمة الاقتصاديّة الخانقة الّتي تعانون منها، وحتّى نتعاون مع قضاتنا ومحامينا من أجل إنقاذكم جميعا من المخطّط المدمّر لسمحون وجماعته.

-عظيم يا شامة، زاد اهتمامي بك أكثر وصرت مراهنا عليك. واليوم سأجعلك تتحالفين مع صافي بن عادل، وهو أحد كبار رجالاتي الملقّب بالدّكتور فهو نابغة مهتمّ أساسا بالتّخطيط والإشراف الفنّي لجميع أعمالي أنا وأصدقائي.

-حسنا سيّد حمدي، سأتعاون مع الدّكتور بكلّ اجتهاد وإخلاص، وسأكون له خير سند."

ذهبت شامة إلى صافي وعرضت عليه العمل في مشروعين جديدين يتجاوزان مشروعات حمدي الكلاسيكيّة، يتعلّق الأوّل باستيراد ألعاب الأتاري والحواسيب من أوروبّا الشّرقيّة بأسعار زهيدة وبيعها في دول المنطقة بأسعار مرتفعة، ويتعلّق الثّاني في استعمال المنتوجات الفلاحيّة في إعداد مأكولات معلّبة مستوحاة من أطباق تقليديّة وترويجها في عديد أنحاء العالم. أعجب صافي بالفكرة وبذكاء شامة الخارق وقرّر التّعاون معها. سار المشروعان على أحسن ما يرام وحقّقا أرباحا استثنائيّة بفضل إدارة شامة الحكيمة للأمور. وذات عشيّة، اجتمعت شامة بالقاضية الشّابّة سالمة، وقالت لها: "

-إنّي أحيّي فيك صديقتي أنّك انقلبت على أستاذتك سنية الجليلي وقرّرت العمل معي. وإنّي أنا الأخرى أخطّط إلى قلب الطّاولة على المغفّل حمدي بالكامل والاستحواذ على كلّ شيء وجعله يخسر الكثير هو وأصحابه. وقد بدأ الدّاهية صافي بن عادل، أحد رجالات حمدي الملقّب بالدّكتور، يرتاب لأمري.

-إنّي مستعدّة أن أساعدك في مخطّطك الطّموح باجتهاد حتّى نبلغ جميعا المجد الّذي نريد، ولديّ وفاق معقّد يضمّ محامين وأهل قانون وإداريّين ونائب في البرلمان أكثر نفوذا من وفاق سنية الّذي نخرته الانشقاقات لصالحي وصار يعاني من ضعف متزايد. (تجيب سالمة)

-إنّي أريدك أن تستعملي وفاقك هذا لصالحي من أجل تلفيق جريمة قتل من الدّرجة الأولى ضدّ وجدي الحميدي، أحد رجالات حمدي المهتمّين بتسوية أموره الإداريّة غير القانونيّة. (تردف شامة).

(تداعب سالمة خصلة شعرها)

-عظيم، مستعدّة أن أخوض معك هاته المغامرة المثيرة."

وذات ظهر، ذهب صافي إلى لقاء منفرد مع شامة في مكتب سرّيّ تحت الأرض يقع أسفل مرآب السيّارات بعد أن أخبرته أنّها تحتاجه كي في اجتماع سرّيّ كي تخبره بعدد من التّطوّرات الخطيرة في العمل وعدد من التّهديدات الإداريّة والقانونيّة الجديدة الّتي تستهدف حمدي وجماعته. وعندما دخل صافي ذلك المكتب، استقبلته شامة بستّ رصاصات في صدره وبطنه أردته بها قتيلا. وقد لفّقت الجريمة لاحقا ضدّ وجدي الّذي حكم عليه بالسّجن مدى الحياة.

وذات مساء صيفيّ، اجتمعت شامة بصديقتها إكرام، وقالت لها:"

 

-إنّك لإحدى أعزّ صديقاتي، وقد قرّرت أن أجعل منك ذراعي المافيوزيّ في الظّلّ.

-لك فعلا فضل كبير عليّ شامة. (تجيب إكرام)

-إنّي أحتاجك اليوم في مهامّ مافيوزيّة معقّدة. (تردف شامة)

-وما طبيعة هاته المهام؟ (تجيب إكرام)

-تقوم المهمّة الأولى أساسا على أن تتحالفي مع القاضية الشّابّة سالمة ووفاقها من أجل مساعدتي على التّحيّل إداريّا وقضائيّا على حمدي ورجاله والاستحواذ على جميع الأرباح المتأتّية من مشروعي الأتاري والحواسيب من جهة والمنتوجات الغذائيّة المعلّبة من جهة ثانية بمفردي. أمّا مهمّتك الثّانية، فتقوم على أن ترسلي صديقاتك إلى عزير فرج، أحد رجالات حمدي المكلّفين بالتّخطيط الحربي ضدّ أعدائه، حتّى يغوينه ويؤثّرن فيه ويورّطنه معهنّ في عدد كبير من قضايا الفساد الخطيرة مغريات إيّاه بالمجد والسّلطة والنّجاح الّتي ستجعله في موقف أقوى من سيّده حمدي. (تردف شامة).

-حسنا، أنا معك شامة في حربك الطّويلة والطّموحة. (تقول إكرام)."

نجحت شامة في الاستحواذ على جميع أرباح المشروعين الّذين اشتغلت فيهما مع حمدي عبر مختلف الطّرق الملتوية وخرج منهما حمدي وجماعته صفر اليدين. وذات عشيّة، أقبلت شامة على عزيز في مكتبه، وراحت تسرد عليه جميع قضايا الفساد الخطيرة الّتي ورّطته فيها نساء إكرام، ثمّ قالت له:"

-إنّنا نملك ما يكفي من الأدلّة والبراهين الّتي تجعلك تمكث في السّجن لسنين طويلة أنت وسيّدك حمدي، وقد زوّدني عدد من القضاة الّذين يحاربون الفساد بكلّ هاته المعلومات.

(يمسح عزيز العرق عن جبينه)

-لقد أحكمت لفّ الحبل حول عنقي، فماذا تريدين منّي أن أفعل حتّى أتدارك الأمر وأصلح ما يمكن إصلاحه.

-أنا اليوم جئت أن أقف موقفا نبيلا معك، وجئت لأخفّف عنك المصيبة أنت وسيّدك حمدي. غدا سنتوجّه إلى مكتب البلديّة، وسنوقّع العقد الّذي سأكتبه الآن أمامك أنا وأنت وحمدي. (تردف شامة)"

 

وفي الغد، توجّه حمدي وعزيز برفقة شامة نحو البلديّة ووقّعا العقد المهين معها، والّذي تحوّلت بموجبه نصف أراضي حمدي وثلاثة أرباع أراضي عزيز إلى ملكيّة شامة.

دعا حمدي سمحون إلى سهرة صاخبة في أحد الفنادق الفاخرة، وقال له:"

-أعترف أنّي قد أجرمت في حقّك كثيرا أنت وأصدقاؤك الشّعراء. وقد جئت اليوم لأعقد الصّلح معك ونبدأ صفحة جديدة سويّا.

-إذا فكيف تراك ستصلح الأمور وتعوّضنا عمّا ألحقته بنا من أضرار؟ (يتساءل سمحون)

-لقد كنّا أغبياء عندما أسأنا فهمك أنت وأصدقاؤك العظماء حيث كنّا نظنّكم مخرّبين ودعاة فوضى والحال أنّكم نوابغ سابقون لعصركم تبشّرون بعهد جديد للبلاد وتفتحون آمالا عظيمة لتقدّمها ورقيّها. جئت اليوم لأتحالف معك وأكون جنديّا أحارب برفقتك جنبا إلى جنت فأنت اليوم صديقي العزيز. (يجيب حمدي)

-وما العمل إذا؟ (يقول سمحون)

-نحن اليوم إزاء عدوّ جديد تجاوز شرّة وخطورته جميع الأعداء السّابقين. إنّها شامة ابنة الفلّاح الفقير، قد دمّرتني ورجالي تدميرا وهي تحضّر لأعمال مشينة في المستقبل القريب والبعيد. (يردف سمحون)

(يضع سمحون يده على خدّه)

-عدوّ جديد إذا. الأمور تزداد تعقيدا."

 

وقد ظلّت شامة طيلة أشهر مختفية وهي تقيم في منزل صديقتها الحميمة نهى، والّتي جعلت منها امرأتها الأولى في جميع خططها وأعمالها. وقد استثمرت شامة ونهى الأموال الّتي كسبتها شامة من حمدي في مشاريع إجراميّة تتعلّق أساسا بتهريب العديد من السّلع المقلّدة رخيصة الثّمن الّتي انتزعت السّوق من السّلع الأصليّة في البلاد. وقد دخلت شامة ونهى كذلك في عدد من صفقات السّلاح الخطيرة وقامتا بتهريبه و بيعه في العديد من دول العالم، وقد كانت شامة تسعى أساسا إلى تسليح كتائب إرهابيّة تقوم بإنشائها بنفسها و قيادتها، وهي كتائب أكثرها نساء وأقلّها رجال. وقد أسّست شامة ونهى كذلك عددا من بيوت الدّعارة في البلاد، والّتي درّت عليهما أرباحا كبيرة وساعدتهما في التّجسّس على الشّخصيّات المهمّة وجمع المعلومات من عندها واستدراجها. كما أسّست شامة كذلك عصابات مافيوزيّة أخرى عملها الأساسي هو سرقة السّيّارات وتفكيكها وبيع قطع غيارها خارج البلاد. وقد درّت جميع تلك المشاريع الإجراميّة على شامة ونهى أرباحا طائلة وأكسبت شامة قواعد إجراميّة دوليّة.

 

 

 

******

وذات صباح، كان كمال تلميذ سمحون جالسا في المقهى يحتسي قهوته. أقبلت عليه شامة، وقالت له:"

-إنّي لمنبهرة بك فعلا أيّها الشّاعر كمال بن عارف وأنا متعاطفة معك ومتضامنة مع قضاياك النّبيلة. وقد جئت اليوم لأساعدك في طموحاتك الفنّيّة الكونيّة.

-جميل ما أسمعه منك. فكيف تراك ستساعدينني؟ (يتساءل كمال)

-أنا أعلم جيّدا أنّ وضعك المادّيّ صعب للغاية ووضعك الاجتماعيّ أصعب، فأصحاب الأراضي الأشرار يستغلّونكم ويعاملونكم كالعبيد. (تقول شامة)

-إنّك تقولين عين الصّواب. فما الحلّ إذا؟ (يتساءل كمال)

-جئت اليوم لأوفّر لك شغلا جديدا وبسيطا بأجر مرتفع. وأنا الآن أعتبرك أخي وسأحاول في الأثناء التوسّط لك مع عديد الأقطاب ومساعدتك في جميع طموحاتك وأحلامك الأخرى. (تجيب شامة)"

 

كان شغل كمال مع شامة في مخزن سلع ويقوم أساسا على إحكام غلق الصّناديق ووضع ختم الشّركة عليها. وقد أقام كمال علاقة كبيرة مع زميله في المخزن وشاركه خواطره وأشعاره وأحلامه، وقد أقام زميل كمال في المخزن بدوره علاقات صداقة أخرى مع أصدقاء كمال وسمحون من الشّعراء. وفي سياق حديث زميل كمال في أحد المقاهي عن شغل شامة في المخزن وهو في جلسة مع بقيّة شعراء ريف الجنوب، وعندما ذكر اسم الشّركة المدوّن في أختام السّلع، كان الممثّل التّجاري المحلّي لتلك الشّركة حاضرا في المقهى وجالسا في الطّاولة المقابلة، فشدّ الحديث انتباهه وهرع إلى الطّاولة الّتي يجلس فيها الشّعراء يستفسر عن الأمر. عندئذ، اكتشف جميع الجالسين أنّ ختم الشّركة الّذي تستعمله شامة مزوّر، فسارع زميل كمال في المخزن في الغد رفقة ممثّل الشّركة الحقيقي ليعلماه بالأمر، وقد تفحّص ممثّل الشّركة الختم وتأكّد أنّه مزوّر.

بدأت شكوك كمال تتزايد حول شامة وحقيقة شغلها وصدق نواياها. فبدأ يحاول بين الحين والآخر مراقبتها ومراقبة بعض ممّن يشتغلون معها، وقد لاحظ بعضا من المعاملات غير العاديّة والّتي تتمثّل في أحاديث عن إخفاء هياكل للسّيّارات داخل مخازن فول زادت من شكوكه. وذات يوم، قرّر كمال المغامرة بفتح أحد صناديق السّلع والاطّلاع عمّا يتمّ إخفاؤه داخلها، فانتفض مذعورا عندما اكتشف أنّه يحتوي على قنابل. ومنذ ذلك الحين، قرّر كمال أن يكثّف من مراقبة شامة شخصيّا وأن يتجسّس عليها متى قدر، حتّى حصلت له الصّدفة أن يكون شاهدا من بعيد عن جريمة قتل شامة لممثّل الشّركة المحلّي في مخبأ هياكل سيّارات سّرّيّ تحت مخزن الفول، والّذي تستعمل شامة أختاما مزوّرة لشركته على صناديق أسلحتها، ففزع كمال وفرّ هاربا، وقد ظلّ منذ ذلك الحين هاربا ومتخفّيا عن أنظار شامة ونسائها.

******

وذات ظهر، كان كمال جالسا في منزله وهو في قمّة التّوتّر. أقبل عليه صبحي، وهو أحد أصدقائه الّذين يعوّل عليهم كثيرا، وقال له:"

 

-إنّ سلوى تريد أن تقابلنا في أمر عاجل ومهمّ.

-ما الخطب؟ ولم لم تأت هي؟

-عليك أن تعلم أنّها في عمق حرب استخباراتيّة، وعدد من المجرمات الخطرات يتعقّبنها باستمرار ويلاحقنها.

-وكيف سنقابلها إذا؟

-هناك سيّارة أجرة تنتظرك أمام المنزل، والسّائقة هي سلوى."

ركب كمال وصبحي سيّارة الأجرة، وقد كانت سلوى ترتدي عباءة سوداء ونظّارات شمسيّة. قالت سلوى:" اسمع صديقي كمال، إنّ شامة ونساءها قد عزمن على قتلك، وهنّ يبحثن عنك في كلّ مكان بل ويستدرجن أهل الرّيف بالحديث حتّى يدلّوهنّ على مكانك."

******

 توطّدت العلاقة بين سمحون وتلميذه كمال. وذات صباح من أكتوبر، أقبل كمال على سمحون، وقال له:"

 

-لطالما كنت أعتبرك أخي الأكبر، ولن أنسى صبرك عليّ وأنت تعلّمني أحكام الجهاد. إنّي جئت اليوم أطلب عونك في أمر غاية في الخطورة.

-ما الأمر، ما الّذي يحصل؟ (يتساءل سمحون)

-لقد نجحت في خداعي امرأة تدعى شامة وشغّلتني معها في أمور مشينة دون أن تعلم، بعد أن أعطتني وعودا زائفة بمساعدتي في مشاريعي الثّقافيّة والكونيّة.

-آه، من شامة هذه؟ لقد صارت حديث السّاعة عند عدد من أصدقائنا. (يصرخ سمحون مستنكرا)

-إنّها ابنة فلّاح فقير جاهلة. لكنّها مجرمة داهية تشكّل تهديدا خطيرا لمستقبل البلاد، فقد اكتشفت أنّها تتاجر في السّلاح والسّيّارات المسروقة. كما كنت الشّاهد الوحيد على قتلها لممثّل إحدى الشّركات الّتي زوّرت ختمها ووضعته على صناديق الأسلحة. (يردف كمال)

-يا للهول، كيف لابنة فلّاح فقير جاهلة أن تفعل كلّ هذا؟ (يتعجّب سمحون)

-لقد جئت اليوم أطلب عونك في هاته المصيبة. فهي تبحث عنّي في كلّ مكان هي ونساؤها، وهنّ عازمات على قتلي. (يقول كمال)

-لا تهوّل الأمور كمال. لعلّك قد هلوست قليلا بسبب أفلام الرّعب الّتي تشاهدها. عش حياتك الطّبيعيّة وابحث لك عن عمل آخر. (يجيب سمحون)

-أنا حذّرتك وأنت لم تسمعني. (يردف كمال)"

 

وفي الغد، وعند إسفار النّهار، اجتمعت شامة ونهى. قالت شامة:"

 

-لقد انطلقت التّهديدات الّتي تستهدف حلفنا، ولاحت بوادر التّحدّي والحرب من عند المجاهدين الأوغاد الّذين يجب أن نتّخذهم منذ اليوم ألدّ أعدائنا.

-ما الّذي حصل بالضبط صديقتي شامة؟ (تتساءل نهى)

-إنّ كمال بن عارف قد اكتشف صدفة حقيقة ما نسعى إليه، وقد بات يشكّل خطرا علينا وعلى مستقبل عملنا ما لم نسارع إلى القضاء عليه. (تجيب شامة)

-وما خطّتنا كي نفعل ذلك؟ (تردف نهى)

-سنكلّف جنديّتنا راقصة الكباري حريزة باستدراج كمال نحو الكمين. إنّها امرأة داهية ومؤثّرة، وسيسهل عليها خداع شابّ غافل مثل كمال والسّيطرة على مشاعره. (تقول شامة)"

 

وبعيد المغرب، كان كمال في المقهى يحتسي قهوته السّوداء. أقبلت عليه حريزة، وقالت له:"

 

-إنّي محبطة ومنهارة، وجئت أريد مجالستك قليلا.

-ما خطبك يا امرأة؟ وبم يمكنني مساعدتك؟ (يتساءل كمال)

-أنا فنّانة مبدعة يشهد الجميع باجتهادي وجودة ما أقدّمه من أعمال. وقد دمّرني المنتج الّذي اشتغلت معه في العمل الكثير وشاركه الزّملاء الأشرار في التّآمر عليّ وإقصائي وأنا مفلسة. (تقول حريزة)

-أنا أيضا شاعر مظلوم ومهمّش، وبسبب طموحاتي غير المألوفة وقصائدي الّتي تضرب في صميم داء البلاد والمجتمع صرت أنا الآخر محلّا للتّهديدات والمؤامرات. (يردف كمال)

-لقد ذاع صيتك في البلاد وأنت لا تعلم. وأنا جئت لأتعاون مع شاعر واعد مثلك، ألا فلتعلم أنّي أملك عددا من الحلفاء والمعارف الّذين بإمكانهم أن يجعلوا من كلينا فنّانين ناجحين دوليّا.

-وكيف ترانا سنبدأ شغلنا سويّا.

-لقد قرّرت اللّيلة أن أدعوك للضّيافة في منزلي. المطربة الشّهيرة ربى العالي ضيفة عندي هاته اللّيلة، وبإمكانك التّعرّف عليها والتّعاون معها هي الأخرى، فقد حدّثتها عنك وقرّرت دعمنا ومساعدتنا. (تردف حريزة)."

 

ذهب كمال رفقة حريزة إلى منزلها. وقد وجدا شامة ونهى في انتظارهما، فأمطرت شامة كمال بستّ رصاصات أردته بها قتيلا. وقد دفنت الجثّة بعدها تحت سور يفصل بين قطعتي أرض.

لم يعرف سكّان الرّيف خبرا لكمال طيلة أسبوعين. وذات صباح، انتبه صاحب أراض إلى عدد من ديدان الجيفة تتجوّل تحت السّور الّذي يفصل بين أرضه وأرض جاره، فحفر قليلا تحت التّراب فاكتشف جثّة كمال. عندئذ تأكّد سمحون من صحّة ما قيل له فيما يخصّ شامة، وأعلن الحرب عليها وقرّر ملاحقتها ومواجهتها.

 

******

وذات صباح شتويّ، كان سمحون يجتمع بفوارسه في ريف الجنوب، وقد راح يخطب فيهم قائلا: "اليوم تحوّل وضعنا كثير.ا وقد ازداد تدهورا والخطر يحتد أكثر فأكثر. حمدي صار صديقنا وحليفنا ومساعدنا. ولم تعد لنا أيّ مشكلة معه. وانتهت مشاكلنا معه إلى الأبد. لكنّنا اليوم نواجه من هم أسوأ منهم. ومن هم أشدّ منهم ضررا وخطورة وأنا أتحدّث عن فتاة تدعى شامة. حذّرني صديقي كمال من شامة ولم آبه له. وقد دفع حياته ثمنا لذلك رحمه الله مات شهيدا. إنّ عدوان شامة اليوم على فوارسنا وقمعها وإفسادها لتظاهراتنا وأنشطتنا الثّقافيّة قد صار أفظع بكثير ممّا كان يفعله حمدي وجماعته في الماضي. وهي تضربنا أكثر وتهدّد مستقبلنا فعلا. إنّ شامة أكبر تهديد لسيادتنا وحرّيتنا على الإطلاق. ونحن اليوم نعلن جهاد الحرب من جديد والّذي سيكون موجّها هاته المرّة أساسا نحو شامة."

 

******

وفي آخر الشّتاء، اجتمعت شامة ونهى. قالت شامة:"

- اليوم ندخل في مرحلة متقدّمة يا رفيقة عمري من عملنا سويّا حتّى نصير أسيادا على هذا العالم. سندخل في المافيا نفتن ونغوي زعماء المافيا بأساليبنا. ونخترقها ونستغلّها لصالحنا.

-وماذا سنفعل بعد ذلك عزيزتي؟

  سنقوم بتصفيتهم جميعا. وسنستعمل دهاءنا لاختراق الإدارة، واحتواء عدد من المسؤولين واستغلالهم لصالحنا وتوريطهم في الفساد معنا. ثمّ نقوم بتصفيتهم هم الآخرون.

-أنت دوما تتطوّرين في الإبداع صديقتي، وأنا معك دوما على الدّرب.

 -وأريد أن أنبّهك أيضا عزيزتي نهى إلى وجود عدد من المجاهدين الأوغاد في ريف الجنوب يستهدفونني ويهدّدون مستقبلي. يجب أن نتعاون سويّا  حتّى نقضي عليهم أجمعين."

 ذهبت شامة إلى زعيم مافيا وقرّرت التحالف والتّعاون معه، وطلبت منه أن يختبرها. ذهبت شامة إلى مدير عامّ ناجح وأوهمته أنّ لديها أموالا طائلة في البنوك وأنّها تريد التّحالف معه في مشروع إنشاء شركة دوليّة يكون هو مديرها وتنقله من النّفوذ المحلّي إلى النّفوذ الدّولي، وقد أوهمته أنّ لها شركاء دوليين سيتعاونون معه ويضاعفون أرباحه ويذيعون صيته دوليّا بعد أن كان أصلا مهدّدا بالإقالة بسبب بعض التّجاوزات الإداريّة. اجتمعت شامة بصديقتها القاضية الشّرّيرة سالمة، وقالت لها:"

 

-أنا اليوم أحتاجك في مهمّة تتعلّق بتلفيق قضيّة جديدة ضدّ مدير عامّ محلّيّ.

-وما طبيعة تلك القضيّة؟

-إنّها قضيّة سطو مسلّح على مصاغة."

وفي اللّيل، ذهبت شامة ونهى إلى مصاغة وشرعتا تكسران الباب. هبّ عليهما سبع أشخاص وحاولوا صدّهما عن عملهما الشّنيع لكنّهما سارعتا إلى سحب مسدّسيهما وقد أمطرتاهم جميعا بالرّصاص فأرديتاهم قتلى، ثمّ سارعتا إلى الاستيلاء على كامل محتوى المصاغة والفرار بعيدا.

وفي الغد صباحا، ذهبت سالمة إلى المدير العامّ الّذي خدعته شامة، وقالت له:"

 

-جئت أعلمك اليوم أنّك مدان في قضيّة سطو مسلّح على مصاغة وقتل لسبعة أشخاص.

-يا للهول. كيف حصل ذلك؟

-لا تتعجّب ولا تحاول التّهرّب من القضيّة فمحضر القضيّة جاهز وموقّع، وقد تمّت إدانتك قضائيّا بالجريمة وملفّ ذلك كامل وأنت الآن مطلوب للعدالة.

-يا ويلي. أشهد أنّي بريء. فماذا عليّ أن أفعل الآن؟

-لقد جئت اليوم لمساعدتك وإنقاذك من الورطة الّتي أنت فيها مقابل أن تتعاون معنا في بعض المهام.

-وما طبيعة هاته المهام.

-كلّ ما عليك فعله هو طاعة السيّدة شامة الّتي أتتك بالأمس في كل شيء وتوقيع جميع العقود الّتي ستعرضها عليك."

 

وقّع الإداريّ المخدوع عقدا مع شامة أصبح بموجبه محض عون تنفيذ مرتهن إلى شامة وزعيم المافيا الّذي تحالفت معه، وقد صار مطالبا بتكريس جميع نفوذه وعلاقاته الإداريّة لصالحهما. وقد استثمرت شامة ونهى وزعيم المافيا الأموال المتأتّية من المصوغ المسروق في معمل لخياطة الملابس.

وذات ظهر، اجتمعت شامة مجدّدا مع القاضية سالمة، وقالت لها:"

 

-لقد جئت أقصدك اليوم في مهمّة أكثر تعقيدا.

-وما طبيعة تلك المهمّة؟

-إنّ وفاقك المعقّد بضمّ أحد نوّاب البرلمان أليس كذلك؟

-أجل، لكن بم سيفيدنا هذا الأمر؟

-سنستعمل هذا الوفاق بأكمله للتجسّس على جميع نوّاب البرلمان ومن يتعاملون معهم."

 

كانت نساء شامة وسالمة يتجسّسن على نوّاب البرلمان والعديد من المتعاملين معهم مستغلّات في ذلك وسطاء متعدّدين يتستّرن وراءهم. وقد اكتشفن العديد من الخور والفضائح الخطيرة والّتي تخصّ أساسا الفساد والديبلوماسيّة والتّعاون الاقتصادي الدّوليّين. استدرجت شامة المتعاملين مع نوّاب البرلمان إلى حوارات صحفيّة مستعملة في ذلك صحفيّات شابّات عميلات لها ولسالمة. وقد كانت الصّحفيّات يتظاهرن بالوقوف إلى صفّ هؤلاء المتعاملين الفسّاد وبتشجيعهم على أنشطتهم الّتي سمّينها بالتّنمويّة. وقد كنّ يأخذن من عندهم العديد من المعلومات الخطيرة جدّا، والّتي كانت تخصّ نوّاب البرلمان وشركاءهم الفاعلين على صعيد محلّي ودولي، وهنّ يتظاهرن بمساعدتهم لكسب المزيد من الدّعم والإسناد الدّوليّين عن طريق التّرويج لهم إعلاميّا والحال أنّهنّ يجمعن من عندهم المعلومات والوثائق وعديد الأدلّة التي تفضح نوّاب البرلمان وعددا من السّياسيّين. اجتمعت شامة بزعيم المافيا بعد أن حدّثته بجميع فضائح النّوّاب وحلفائهم، وقالت له:"

 

-لقد أظهرت لك اليوم الكثير ممّا خفي عنك.

-أحسنت صنعا سيّدة شامة، فقد صعقتني فعلا بما كنت تحدّثينني به قبل قليل وخلقت داخلي الرّجّة والصّاعقة الّتي ستحوّل مسار عملبي جذريّا من التّدهور المتسارع إلى الصّعود المتسارع."

وذات مساء خريفيّ، اجتمع رجلي أعمال هما من كبار زعماء المافيا الدّوليّين. قال الأوّل:"

 

-إنّنا إزاء مشكلة عظيمة ومستقبلنا وحياتنا مهدّدين.

-ما الأمر؟ ما الّذي يحصل؟

-إنّ الدّول الأوروبّيّة الّتي كانت بالأمس وليّة نعمتنا تسعى اليوم إلى القضاء علينا واستبدالنا بمجموعة جديدة. والخطر الأكبر يكمن في زعماء العصابات الصّغار الّذين وإن تكتّلوا حطّموا وفاقنا الدّولي.

-ما العمل إذا؟

-لقد أعددت قائمة سوداء من زعماء العصابات الصّغار علينا بالقضاء عليهم جميعا. وسنقنع أولياء نعمتنا في أوروبّا بعدها أنّنا خلّصناهم من خطر داهم كان يهدّدنا ويهدّدهم حتّى يبقوا علينا و يواصلوا مسيرتهم معنا.

-تخطيط عظيم أيّها العبقريّ."

 

وفي المساء، اجتمعت شامة ونهى مجدّدا، فقالت شامة:"

 

-إنّي أعدّ اليوم خطّة حتى نستحوذ على زعيمي المافيا الّذان نشتغل معهما ونصير رهانهما الأوّل ثمّ نجعل جميع حلفائهم وأعوانهم أتباعا لنا بإيعاز منهم؟

-ماذا أعددت لنا اليوم شامة؟

-تعلمين كما أعلم أنّ هذين الزّعيمين تحت التّهديد المتواصل لزعماء المافيا الدّوليّين والّذين هم رجال أعمال يسيطرون على البلاد ويشتغلون لفائدة دول أوروبّيّة.

-نعم أعلم ذلك جيّدا، فما أنا بجاهلة.

-سنكون سبّاقتين بالقضاء على رجال الأعمال هؤلاء وإنقاذ الزّعيمين الّذين نشتغل معهما."

 

تحالفت شامة ونهى مع سيّدة أعمال لها مشاريعها في أوروبا وهي صديقة مقرّبة من القاضية سالمة، والّتي كانت طرف الخيط الّذي أوصلهما إلى أطراف نافذة هناك متحالفة مع المافيا المحلّيّة، فشرعت شامة، وعن طريق الرّسائل والهاتف، تقنعهم أنّها ستخلّصهم من خطر داهم يهدّد مصالح دولهم في المنطقة ويبشّر بثورات تغيّر المنطقة، والمتمثّل في رجال الأعمال المافيوزيّين الّذين يخطّطون لاستهداف زعماء العصابات الصّغار الّذين صوّرتهم شامة للأوروبّيّين أنّهم حلفاؤها من أجل قبر مخطّطات القوى المعادية لهم في المنطقة. وقد تحالفت شامة كذلك مع علياء، صاحبة قناة تلفزية نجحت رفقة نهى في استقطابها كعميلة لهما، حتّى ترسل صحافيّيها للتجسّس على رجال الأعمال المافيوزيّين ويأخذن أخبارهم ويوصلنها أوّلا بأوّل إلى شامة ونهى، والّتان توصلانها إلى الزّعيمين الّذان تشتغلان معهما وإلى القاضية سالمة وسيّدة الأعمال الّتان توصلانها بدورهما إلى القيادات الأوروبّيّة وتقنعانهم أنهما تشتغلان لصالحهم ضدّ قوى معادية. وقد كانت صحفيّات علياء يوهمن رجال الأعمال أنّهنّ يشتغلن لفائدتهم من أجل فضح زعماء العصابات الصّغار الّذين يحرّضون عليهم أوروبّا وباتوا يشكّلون خطرا عليهم.

 

وذات ظهر، أوهمت صحفيّات علياء رجال الأعمال المافيوزيّين باجتماع سرّيّ بسياسيّين وقياديّين أوروبّيين في أحد المنازل من أجل مناقشة بعض الأمور الحسّاسة. وعندما ذهبوا برفقتهنّ إلى المنزل، وجدوا شامة ونهى في انتظارهم وقد أمطرتا جميع الرّجال بالرّصاص فأردينهم قتلى.

وذات صباح، اجتمعت شامة بزعيم المافيا الّذي تشتغل عنده، وقالت له:"

 

-لعلّك لاحظت اليوم كيف جعلت من الدّول الأوروبّيّة تراهن عليك ومنحتك سلطة ونفوذا دوليين لم تكن لتحلم بها في حياتك. لطالما دعوتك دوما أن تثق بي.

-لقد صعقتني شامة وصنعت فعلا عظيما، وأنا اليوم أراهن عليك كلّ الرّهان وأنت في مقام ابنتي فأنا قد كبرت وأصابني الضّعف.

-إنّ العالم محكوم بعصابات دوليّة متجسّدة في رجال أعمال ومتحالفة مع أطراف سياسيّة، ولهم رؤوس أموال خياليّة لا يمكننا حليّا مجاراتها.

-منك أتعلّم، فلطالما كنت غافلا عن مثل تلك الأمور.

-لقد كانوا يخطّطون لقتلك رفقة عدد من الزّعماء أمثالك حتّى تكونوا أكباش فداء يقدّمونها للقوى الأوروبّيّة كي ترضى عنهم. لكنّني أنقذتك منهم وقتلتهم ومنحتك أنت النّفوذ بدلا منهم.

-إنّك فعلا بطلة خارقة، وأنت أمل الخير لديّ بعد تعاستي.

-اليوم سيزدهر عملنا سويّا أكثر، وسترى ما أنا فاعلة من أجلك في قادم الأيّام."

ظلّت شامة ونهى تراقبان منزل أحد أثرياء ريف الجنوب لمدّة أسبوع. وذات ليلة، قرّرتا سرقته. دخلت نهى بعد تسلّقها قناة المياه ونزولها في الحضيرة الّتي تجاور المطبخ. ثمّ سارت بخطى حذرة حتّى باغتت كلب الحراسة من الخلف وقتلته بأربع رصاصات عبر مسدّس كاتم للصّوت. دخلت شامة من حضيرة المطبخ بنفس الطريقة الّتي دخلت بها نهى. أضاءت نهى مصباحا صغيرا يشتغل ببطاريّة وراحت تسير رفقة شامة نحو غرفة النّوم أين توجد مخازين كبيرة من الذّهب. سرقتا الذّهب بحذر وانصرفتا. وعند سيرهما داخل الصّالون الّذي يؤدّي إلى الحديقة الخارجيّة للمنزل، تفاجأتا بصاحب المنزل يسير وراءهما وقد استيقظ بالصّدفة. سارعت نهى إلى إمطاره بستّ رصاصات عبر مسدّسها الكاتم للصّوت فأردته قتيلا، ثمّ فرّت شامة ونهى بأقصى سرعة. تقاسمت شامة ونهى الذّهب المسروق وأهديتاه إلى زعيمي المافيا الّذان تشتغلان عندهما، وقد ربحتا ولاء وخدمة جميع حلفاء وأعوان هذين الزّعيمين على صعيد دوليّ.

وذات صباح شتويّ، أقبلت شامة على رجل فاشل، وقالت له:"

 

-لقد سمعت الكثير عن نضالاتك ومعاناتك وظلم الدّولة والمجتمع إيّاك.

-لطالما كانوا يستهزئون بي وينعتونني بالفاشل المجنون. وأخيرا وجدت امرأة رائعة مثلك تحسّ بمعاناتي.

-أنا لا أحسّ بمعاناتك فحسب بل جئت لأساعدك وأجعل منك شريكا فاعلا في أحد مشاريعي الثّوريّة؟

-وما هو المشروع؟ لقد شوّقتني.

-إنّي أشتغل وكيلة مكلّفة بالأعمال والتّنمية الذّاتيّة مع أحد البنوك. ولي مرتّبي الشّهري بينما تذهب أرباح جميع المشاريع الّتي أخطّطها مع من أختاره ويموّله البنك إلى العظماء المضطهدين أمثالك.

-كلامك يثيرني في الصّميم، وكلّي استعداد أن أكون جنديّك المخلص. فرجاء أخبريني ما المشروع.

-إنّي أعتزم بعث قناة تلفزيّة تعنى بممارسة المشاهدين الألعاب المثيرة على الهواء مباشرة مستعملين في ذلك إمّا جهاز تحكّم التّلفاز، أو الموزّع الصّوتيّ.

-مشروع خارق للعادة. أرجوك سيّدتي أخبريني عن طبيعة عملي بالضّبط وماذا عليّ أن أفعل.

-لديك مهمّتين سهلتين. الأولى أن تمارس الدّعاية لفائدة هاته القناة في جميع مقاهي البلاد وتستقطب المشتركين فيها وتأخذ منهم معلوم الاشتراك المقدّر بخمسين ملّيما. ومهمّتك الثّانية هي أن تكتب شيكا بثمانين دينارا وتمنحني إيّاه، فهذا الشّيك هو الّذي سيجعل منك شريكا مع البنك في المشروع. وعليك أن تمنحني كذلك جميع ما جمعته من أموال تخصّ الاشتراك في هاته القناة.

-حاضر سيّدتي. لقد أفحمتني فعلا. سأنطلق منذ الآن."

 

وفي الحقيقة، لم يكن مشروع قناة الألعاب سوى عمليّة تحيّل قرّرت أن تنفّذها شامة لصالح زعيم المافيا الّذي تشتغل معه، فأحسنت اختيار المغفّل الّذي سيكون ضحيّتها. أعطت شامة الشّيك والأموال إلى الزّعيم، بينما كان السّجن مآل ذلك الرّجل المخدوع لأنّه أصدر شيكا بدون رصيد.

وذات صباح، قصدت شامة البلديّة، وقد كانت تتظاهر أمام موظّف الاستقبال بالجهل وهي تطلب توقيع عقد من شخص غائب توقّع عنه هي بالنّيابة، وقد أحضرت نسخة من بطاقة تعريف ذلك الشّخص. وعندما خرج أحد الموظّفين السّامين من مكتبه، أشارت له شامة بعينها اليسرى ويدها ثمّ وقفت في الرّواق. أقبل عليها الموظّف، فقالت له:"

 

-إنّي أريدك أن تلتحق بي عند الجبل في الرّابعة مساء حتّى نتناقش في أمر غاية في الأهمّيّة.

-حاضر أيّتها الرّائعة، سأكون في الموعد."

 

وفي الرّابعة مساء، اجتمعت شامة بموظّف البلديّة عند الجبل، فقالت شامة:"

-إنّي أشفق على وضعك فأنت موظّف مسكين وأجرك ضعيف ولا يوفّر لك العيش الكريم.

-لقد وضعت إصبعك على جرحي وإنّي سعيد لأنّي وجدت امرأة مثلك تفهم معاناتي.

-أنت مضطهد ومقهور من قبل رؤسائك في العمل ولا حقّ لك في شغل ثان مواز. إنّك مهدّد بالفصل من الوظيفة والتّشرّد في الشّارع إن أنت تمرّدت وعصيت.

-لقد أجّجت نيراني كثيرا وأنت تستعرضين أعماق مأساتي. فهل تراك ستأتينني بالإضافة الّتي تفيدني وتحسّن من أوضاعي؟

-جئتك اليوم صديقة وحليفة ومنقذة، وأنا أملك شبكات علاقات دوليّة يمكنها أن تساعدك و تنتشلك ممّا أنت فيه وتغيّر حياتك تماما.

-إنّي فعلا أتساءل كيف يمكن لكلّ هذا الخير أن يحصل معي على يديك.

-فقط ثق بي وتعال ننخرط في سلسلة المهام السّرّيّة.

-وما هي تلك المهام؟

-سأخبرك بها إن وافقت على العمل معي. فستصبح لك شبكات علاقات مفيدة تعطيك نفوذا دوليّا. وتجعل جميع المديرين والموظّفين يهابونك. وتصبح أنت الحاكم والآمر والنّاهي في كلّ إدارات البلاد بقطع النّظر عن خطّتك الوظيفيّة المتواضعة.

-إنّي موافق على العمل معك وعلى أن أصبح جنديّك بعد كلّ ما سمعت. فهل سأتمتّع بامتيازات أخرى إضافيّة؟

-ستملك ثروات في بنوك دوليّة وستملك شركات متعدّدة الجنسيّات تغنيك عن شغلك المتواضع. نعم، أنا جادّة في كلامي وستبلغ كلّ هذا معي في حال وافقت على الالتزام والعمل معي. وأرجو أن تظلّ جلستنا هذه والاتّفاق الّذي سنعقده سويّا قيد السّرّيّة المطلقة وإلّا فسيفسد كلّ شيء وسترفت من العمل وتتشرّد في الشّارع في حال أخطأت وأفشيت السّرّ.

-إنّك فعلا امرأة رائعة وعظيمة."

 وفي تلك الأثناء، أقام فتحي علاقة صداقة حميمة مع صحفيّة ناجحة على صعيد دوليّ هي أصيلة ريف الجنوب. وذات صباح في أفريل، كان فتحي والصّحفيّة نورة جالسين في المقهى، فقالت نورة: "إنّ القضيّة الّتي طرحتها عليّ لقضيّة مهمّة جدّا وحسّاسة للغاية وجب التوعية بها على صعيد دوليّ. وأنا أتعهد أمامك أن أكرس أصدقائي وأعواني الصّحفيين حتّى يقوموا بمهمّتهم الاستخباراتيّة في البلاد ويتعقّبوا جميع أنشطة شامة ونسائها المشبوهة دون أن ينتبهن لهم. وسننشر فضائح أولئك النّساء ونوعّي النّاس بخطورتهنّ على البلاد والعالم." فردّ عليها فتحي: "أعرف جيّدا أنك امرأة حقّ مجاهدة وأنا أتعهد أن أكون ورجالي خدما متعاونين معك وفوارس أشاوس نناضل إلى جانبكم في ساحة الوغي."

وذات عشيّة في أوّل الصّيف، عقدت نورة اجتماعا خطابيّا مصحوبا بندوة صحفيّة، وراحت تخطب قائلة:" اليوم جئت أنبئكم بخطر داهم يهدّد مستقبل بلادنا. جئت أحذّركم من ابنة فلّاح فقير تدعى شامة وهي شرّ مجرمة لم يشهد لها التّاريخ مثيلا. إنّها لمتورّطة في جرائم قتل عديدة في حقّ ثوّار ومتكلّمين أحرار، لكنّها طليقة ومواصلة لإجرامها لأنّها تتقن تنفيذ الجرائم دون ترك ما يدينها ولأنّها كذلك قد كوّنت وفاقا إجرميّا خطيرا يضمّ قضاة وأهل قانون ونوّاب برلمان ورجال أعمال نافذين وأطراف دوليّة مهيمنة على العالم كذلك، وهو ما يمنحها حصانة كبرى ويساعدها على تلفيق جرائمها لأبرياء هم الآخرون مستهدفون. تلك المرأة تسعى أن تصبح رئيسة للبلاد حتّى تمارس إجرامها وإرهابها دون أن يردعها رادع وحتّى نعيش في عهدها أحلك عصور الجبروت والطّغيان. أدعوكم أن تحذروا تلك المرأة مليّا وألّا تأمنوها أبدا لا هي ولا نساءها، وأدعوكم أنتم الآخرون أن تخطبوا في كلّ مكان ناشرين الوعي بخطورة تلك المرأة على مستقبل البلاد."

صارت حياة نورة مهدّدة ووضعها الأمنيّ خطيرا في الشّارع. فكثيرا ما صارت تتعرّض للمضايقات والملاحقات من قبل نساء شامة اللّاتي كنّ يتعقّبنها أينما ذهبت. وقد تعرّضت إلى محاولتي اغتيال واحدة بقارورة زجاجيّة رميت عليها لكنّها أخطأت الهدف، والأخرى بمحاولة طعن على يدي إحدى مجرمات شامة سارعت نورة إلى ضربها وإيقاعها أرضا ثمّ فرّت هاربة. وقد قرّرت شامة الانتقام من نورة عن طريق استعمالها ضدّ فتحي ثمّ القضاء عليهما معا في يوم من الأيّام.

أرسلت نهى إحدى صديقاتها إلى نورة، فقالت لها:"

 

-سمعت كثيرا عن ثورتك ضدّ الإرهابيّة شامة الّتي تمثّل اليوم أكبر تهديد لمستقبل بلادنا وأنا جدّ منبهرة بك.

-إنّي لناذرة على نفسي الجهاد فداء للخير والحقّ ما حييت، وما أفعله اليوم هو رسالة يتوجّب عليّ تبليغها في ديناي.

-أنا مديرة قناة ثوريّة في أكرانيا تتعرّض إلى ضغوطات دوليّة، وجئت كي أفتح محطّة بثّ لهاته القناة في بلادكم. وأنا أعرض عليك كي تشتغلي معي كملحقة محلّيّة في قناتنا.

-أسعدني عرضك كثيرا، وأنا اليوم لك لعاملة مجتهدة وجنديّة شرسة."

راحت صديقة نهى تستغلّ نورة في التّجسّس على فتحي والحصول على جميع أخباره هو وأصدقائه أوّلا بأوّل، وذلك بعد أن دفعتها إلى إقامة علاقة صداقة معه بحكم أنّه خير زميل لها في الثّورة على شامة، وقد كلّفتها بإنجاز حوارات صحفيّة وهميّة معه ومع عدد من أصدقائه ادّعت صديقة نهى أنّها ستبثّ جميعها في القناة الثّوريّة الأكرانيّة فور دخولها حيّز البثّ بصفة فعليّة في البلاد.

وذات يوم، عرضت صديقة نهى على نورة أن تستدعي فتحي وجميع أصدقائه مدّعية تصوير حصّة تلفزيّة تخصّ القناة هناك، والّتي ستعرض خلال أوّل يوم من بثّها في البلاد بعد أسبوع. عرضت نورة على فتحي وأصدقائه ما عرضته عليها صديقة نهى، فدعا فتحي جميع أصدقائه للحضور إلى تلك الحصّة التّلفزيّة بينما اعتذر هو عن ذلك نظرا لالتزامه بحضور جلسة شعريّة والمشاركة فيها، وهي الأخرى موثّقة من قبل وسائل إعلام دوليّة. وعندما جاء أصدقاء فتحي المنزل في الموعد منتظرين المشاركة في الحصّة التّلفزيّة، وجدوا شامة ونهى في انتظارهم، وقد سارعن إلى إمطارهم جميعا بالرّصاص فأردينهم قتلى. سارعت شامة ونهى فيما بعد إلى دفن الجثث في أماكن لا تخطر على بال.

وفي تلك الأثناء، أقبلت نهى بنفسها على نورة، وقد أبدت تعاطفها مع أصدقاء فتحي الشّهداء ونقمتها على شامة، وكلّفتها بمواصلة عملها الصّحفي الوهمي مع فتحي ونقل جميع أخباره لها شخصيّا مدّعية حمايته ونشر الأخبار الخطيرة في وسائل إعلام ثوريّة أجنبيّة.

وذات صباح، اجتمع فتحي بنورة، وقال لها:"

 

-خنتني يا نورة وغدرت بي وبأصدقائي وأقمت علاقة مع نهى، ذراع شامة الأيمن.

-أقسم أنّي لم أخنك عزيزي فتحي ولا أعرف نهى أصلا ولم يكن لي أيّ علم بما حصل لأصدقائك. أنا الأخرى كنت مخدوعة.

-مخدوعة. كيف ذلك؟

-أرجّح أنّ المرأة الدّاهية الّتي ادّعت عليّ أنّها إحدى إداريّات القناة الأكرانيّة الثّوريّة وأنّها ستفتح لها محطّة بثّ محلّيّة هي الّتي خدعتني. من المؤكّد أنّها عميلة لشامة ونهى. وشكرا لك لأنّك أعلمتني أنّ نهى هي ذراع شامة الأيمن فلطالما كنت غافلة عن ذلك.

-وكيف ترانا سنصلح الأمر إذا؟

-سيبقى أمر اكتشافي الحقيقة سرّا بيننا، وسأظهر لنهى أنّي لم أكتشف الحقيقة وأنّي مازلت تلك المخدوعة المتعاونة معها. لكنّ عملي سينقلب في حقيقة الأمر من التجسّس عليك لصالح شامة ونهى إلى التجسّس على هاتين الأخيرتين لصالحك.

-هذا جميل. إنّك ذكيّة ومناورة حربيّة ماهرة."

وذات عشيّة، أقبلت نهى على أحد خطباء ريف الجنوب، وقالت له:"

 

-إنّي لمنبهرة بك كخطيب ثائر واعد تدافع عن الخير وتنصر الحقّ وتسعى إلى إصلاح البلاد.

-يبدو أنّك فعلا تؤمنين برسائلي النّبيلة، فهل تقبلين التّحالف معي ومساعدتي.

-هذا ما جئت من أجله بالضّبط فأنا رئيسة لمنظّمة جهاديّة تنصر المظلومين وتحارب الظّالمين، وإنّي أريد صهر جهودي مع جهودك.

-إذا فماذا سيكون عملنا المقبل سويّا يا ترى؟

-أنت تعلم جيّدا بأمر شامة ابنة الفلّاح الفقير، وقد باتت اليوم أخطر تهديد لمستقبل بلادنا.

-نعم، أنا أعلم أمر شامة جيّدا وأحيانا أذكرها في خطبي فاضحا إيّاها.

-لدينا مجاهد ثائر آخر يكبرك سنّا ويفوقك خبرة يدعى فتحي بن حسن، وهو الآن وحيد ومخذول بعد استشهاد جميع أصدقائه على يدي شامة. جئت أطلب منك في مرحلة أولى أن تتحالف مع فتحي وتصهر جهودنا جميعا معه. وعد إليّ بعد ذلك و أخبرني بما فعلته مع فتحي بالضّبط.

-تبدين امرأة مبدعة ومؤثّرة حقّا. وكم أنا سعيد بتعاوني معك وكسب صديقة مثلك."

انضمّ الخطيب المخدوع إلى فتحي وجماعته وصار يحضر معهم اجتماعاتهم الثّوريّة والخطابيّة بانتظام، وصار من أشرس من يسبّ شامة ويفضحها في كلّ مكان. وفي الأثناء جنّدت نهى إحدى نسائها حتّى تقيم علاقة صداقة مع ذلك الخطيب المخدوع مدّعية أنّها هي الأخرى مجاهدة ضدّ شامة ونسائها وأنّها تريد أن تنقذ البلاد من خطرها، فصارت هي الأخرى تحضر الاجتماعات وترافق الخطيب المخدوع في كلّ مكان وتنقل الأخبار إلى نهى. وذات يوم، أخبرت نهى عميلتها أن تستدرج فتحي نحو موعد وهميّ مع صحفيّة أمريكيّة ثائرة بينما تجنّبتا محاولة خداع واستدراج نورة لأنّها قد تتفطّن إلى الأمر وتنكشف لعبة المجرمات، وأن تدّعي أنّ الخبر قد وصلها من عند نادل مطعم يتعامل مع الشّبكات الإعلاميّة الدّوليّة عن طريق التّراسل وقد دخل معها ومع فتحي وجماعته في النّشاط الثّوريّ من بعيد. وقد كان مكان ذلك الموعد الوهميّ إحدى غابات الصّنوبر بريف الجنوب. وعندما أقبل فتحي إلى موعد الكمين، سارعت شامة بالخروج من بين الأشجار وإمطاره بالرّصاص فأردته قتيلا.

أقبلت شامة على موظّف البلديّة الّذي ورطته معها في الفساد الإداريّ، وقالت له: "اليوم جئت لأتحالف معك في مشروع أكثر تعقيدا. فكما وثقت بي في السّابق ثق بي الآن واجمع معنا شبكاتك من موظّفين وإداريّين، والّذين سيشتغلون معنا في عدد من المهامّ الخاصّة." كلّفت شامة إكرام بأن تدسّ عددا من الرّسائل تحت أبواب تجّار محلّيّين، وهي رسائل من صنع شامة وهي من عند سيّدة أعمال أمريكيّة وهميّة، وقد أتقنت شامة رفقة مافياتها تزوير طوابع وأختام البريد. وقد أتقنت شامة فتنة هؤلاء التّجّار خطابيّا في تلك الرّسائل، وقد قالت فيها كلاما فضفاضا يتعلّق بالسّياسة ثمّ دعتهم أن يتحالفوا معها في المشروع الاقتصادي والاستراتيجي الأكبر الّذي يشرف عليه مركز أبحاث أمريكي، والّذي سيمنحهم الثّروة الكبرى والنّفوذ الدّوليّ. تأثّر جميع من وصلتهم تلك الرّسائل وفتنوا كثيرا بشخصيّة سيّدة الأعمال الأمريكيّة تلك والّتي هي في الحقيقة شامة، وقرّروا التعاون معها بأيّ ثمن.

أرسلت شامة رسائل أخرى إلى هؤلاء التّجّار منتحلة نفس شخصيّة سيّدة الأعمال الأمريكيّة تلك، وقد قالت أنّها ستزور بلادهم وريفهم وستوقّع معهم عقدا في بلديّتهم المحلّيّة يوم 17 مارس المقبل، ودعتهم أن يتعاونوا معها ومع حلفائها في أوروبّا الشّرقيّة فيما بعد كلّ التّعاون. كلّفت شامة إحدى صديقاتها بأن تنتحل شخصيّة سيّدة الأعمال الأمريكيّة تلك يوم العقد، وكلّفت حليفتها القاضية سالمة بأن تهيّئ جميع الظّروف حتّى يكون جميع المشرفين على هذا العقد الخطير في البلديّة عملاء لها ولوفاقها. وقّع جميع التجّار العقد الخطير مع صديقة شامة بكلّ غباء، وقد دعتهم بعد ذلك إلى التّحالف مع عصابات موظّف البلديّة الّذي ورّطته شامة معها في الفساد. وقد شرعوا في بادئ الأمر يشتغلون معهم في عدد من الأمور الخارجة على القانون والمدعومة من قبل سالمة ووفاقها، وهي تتمثّل أساسا في تزوير الشّهادات والوثائق وتبييض بعض نشاطات المافيات الصّغرى قضائيّا وقضاء عدد من الشّؤون الإداريّة دون وجه حقّ، وقد كانت جميعها تنجز بمقابل مادّي يتفاوت حسب الشّخص ونوعيّة الخدمة.

كلّفت شامة إكرام بدسّ دفعة ثالثة من الرّسائل المكتوبة من قبل سيّدة الأعمال الأمريكيّة الوهميّة تحت منازل نفس التّجاّر. وقد قالت لهم فيها أنّها قد عرضت على مركز الدّراسات الأمريكيّة الّذي تشتغل فيه التّحالف مع عدد من البنوك في أكرانيا وبلاروسيا الّتي ستتعاون معهم كثيرا، وقد ادّعت أنّها قد أقدمت على هاته الخطوة من أجل هؤلاء التّجّار وفي سبيل مصلحة بلادهم. وقد صارت شامة على علاقة فعليّة بهاته البنوك في أوروبّا الشّرقيّة بعد أن أقامت علاقة كبيرة مع سيّدة أعمال أكرانيّة مافيوزيّة وصلت إليها من طرف وفاق القاضية سالمة. وقد قالت سيّدة الأعمال الأكرانيّة أنّها ستزور البلاد بعد شهرين من أجل مقابلة شامة شخصيّة والتّعاون معها. اتّصل التّجّار الحمقى بتلك البنوك في أكرانيا وبلاروسيا، وقد ردّت عليهم بأنّها سترسل لهم ممثّلين محلّيّين يتعاقدون معهم عقودا مكمّلة للعقد الخطير مع سيّدة الأعمال الأمريكيّة الوهميّة، وهي عقود تجعل تلك البنوك تدعمهم مادّيّا من أجل مشاريع قريبة وبعيدة من شأنها أن تغري هؤلاء التّجّار، لكنّها في المقابل تلزمهم بأن يربحوا كثيرا من أجل أن يوفوا بالتزامهم بدفع مبلغ مالي مرتفع مدى الحياة يقدّر ب 18000 دولار سنويّا مقابل تلك الهبات الضّخمة الّتي منحت إليهم وتمنح إليهم من أجل مشاريعهم الّتي لا تنتهي.

أغري التجّار كثيرا بالجزء الأوّل من العرض، والّذي جعلهم يغفلون عن الجزء الثّاني الّذي يكمن فيه الخطر، وقد تعمّدت سيّدة الأعمال الأكرانيّة إعداد دراسات مشاريع فاشلة للغاية حتّى تضمن إفلاس هؤلاء التّجّار من أجل أن تستغلّهم بعدها رفقة شامة وتجعل منهم عبيدا لهما حسب ما ينصّ عليه العقد، ومن أجل أن تستغلّاهم بعدها في غايات سياسيّة أخرى. وقد كلّفت سيّدة الأعمال الأكرانيّة يوليا عميلاتها أن يراسلن جميع الإداريّين والمسؤولين الّذين دخلوا في وفاق مع موظّف البلديّة الّذي خدعته شامة، وبأن يغرينهم بمشاريع مافيوزيّة سخيّة تدرّ عليهم أرباح كثيرة وتجعل شبكتهم دوليّة ونافذة وتجعل البلاد تركع لهم وتجعلهم يربحون كثيرا. وقد كلّفت شامة بثينة، إعلاميّة عميلة لها، بأن تتعاون مع شبكة من الصّحفيّين حتّى تتجسّس على جميع أنشطة هؤلاء الإداريّين الفاسدين مع شبكات يوليا بأن تحضر إعلاميّات بثينة جميع الاجتماعات و اللّقاءات بالتّناوب حتّى ببعدن الشّبهات وبثينة لا تظهر في الصّورة أبدا ثمّ يوثّقن أدلّة الإدانة بجميع الأساليب المتاحة، وأن يجمعن جميع أدلّة الإدانة ضدّهم و يمنحن النسخ الأصليّة لها ويرسلن نسخة إلى يوليا في أكرانيا.

وقع التّجّار في الفخّ ووقّعوا العقود وأفلست جميع مشاريعهم في ظرف أشهر، وهي أصلا كانت مبرمجة كي تفلس، فأصبحوا في ورطة لا يحسدون عليها شأنهم شأن المسؤولين الفاسدين الّذين ظلّت إعلاميّات بثينة يبتززنهم بأدلّة الأدلّة الّتي تحصّلن عليها بمختلف الطّرق ويؤكّدن لهم أنّه توجد نسخ عدّة من تلك الأدلّة موزّعة على أماكن عدّة. وقد تظاهرت شامة بالوقوف موقف البطلة لصالحهم وجعلتهم يوقّعون عقودا معها تنقذهم من الورطة الّتي وقعوا فيها وتبعد عنهم جميع التّهديدات مقابل الالتزام غير المشروط مع شامة والعمل معها في أيّ شغل تعرضه عليهم دون نقاش، ومقابل أن يطبّلوا لها في كلّ مكان وأن يناشدوها كي تكون رئيسة البلاد المستقبليّة وأن يقوموا بمختلف أنواع الحملات الخطابيّة والإعلاميّة والأنشطة الثّقافيّة والاجتماعيّة الّتي تدور في فلك جبروتها وتخدم مشروعها المستقبلي بأن تصبح رئيسة للبلاد.

وفي تلك الأثناء، شرعت شامة ونساؤها يطوّرن جهازهنّ الاستخباراتي الّذي يجمع بين المسيّرين الواعين والمخدوعين غير الواعين، من أجل أن يتعقّبن جميع النّاشطين الدوليّين معها ومع موظّف البلديّة وسيّدة الأعمال الأكرانيّة من قريب ومن بعيد.

 ذهبت شامة إلى موظّف بسيط بمحكمة النّاحية وقالت له: "

 

 

-أنت اليوم في وضع مؤلم، ترى الخير و السّلطة و المال ولا يحقّ لك فيها جميعا. أنت لم توفّق في دراستك ولا نلوم في ذلك سوى ظروفك الصعبة وأنت من عائلة فقيرة، فرضيت بهذه الوظيفة الحقيرة في المحكمة تشتغل من الصّباح الباكر إلى المساء. أنت مقهور مستعبد في عملك تعيش الضغط باستمرار.

-وماذا عساي أفعل؟ عليّ أن أشتغل حتّى أعيش.

-اليوم ستدخل بيت العزّ والسّعادة والسّلطة معي فأنا ناشطة خيريّة ناجحة جدّا. ولي شبكات كبرى من العلاقات الدّوليّة ويمكنها أن توصلك إلى ما لم تكن تحلم به حتّى. ستدخل معي في مهامّ نضالية وكونية نبيلة. قد تغنيك يوما عن وظيفتك الحقيرة تلك في المحكمة.

- أبهرتني فعلا يا امرأة، وأنا مستعدّ أن أفعل من أجلك أيّ شيء في سبيل أن تخلّصيني."

- اتبعني نناضل سويّا في سبيل أسمى الأهداف. عقدنا عرفي فليس بيننا سوى الثقة. وأنت منذ اليوم عضو في مجلسنّا الدوليّ للحقوق والحريات.

-أنا منذ اليوم جنديّ أخدم فداك راجيا أجمل المنى."

 

 شرعت شامة تستغلّ ذلك الموظّف البسيط في التجسّس على القضاة وتسريب القضايا والمحاضر حتّى وقعت على قضيّة غاية في الخطورة تتعلّق بشبكة لتزوير العملة الدّوليّة وترويجها. قرّرت شامة جعل هاته القضيّة منعرجا لعملها الإجراميّ المقبل، فكلّفت صديقتها القاضية سالمة أن تحيط ووفاقها بتلك الشّبكة وأن يدعموها ويتعاونوا معها ويبيّضوا جرائمها أمام القضاء.

أقبلت شامة على رئيس شبكة تزوير الأموال، وقالت له:"

-أعلم جيّدا أنّكم تزوّرون العملة الدّوليّة من أجل أن تساعدوا بعض الفقراء على قضاء حوائجهم داخل وخارج البلاد لكن لا يهمّ. أنا اليوم جئت لأتعاون معكم وأرتقي بكم لا لأحبط نشاطكم.

-نحن نعلم ذلك طالما بيّضت جرائمنا أمام القضاء بشكل غير عاديّ. وإنّنا نتساءل عن خطّتك المقبلة الّتي سترتقي بنا.

-ستطبعون المزيد المزيد من العملة الدّوليّة وستبيعونها إلى مجرمين يتبعون سيّدة أعمال أعرفها مقابل نصف المبلغ بالعملة الحقيقيّة.

-وماذا بعد ذلك؟

-سنستعمل العملة الحقيقيّة الّتي سنربحها للاستثمار في بورصات الشّركات الدوليّة. أمّا المافيوزيّون الّذين اشتروا من عندنا العملة المزوّرة، فسأستعملهم لأغراض أخرى بعيدة.

-نحن متعاونون معك سيّدتي وننتظر منك مفاجآت سارّة."

وفعلا، استثمرت شامة وعصاباتها الأموال الّتي ربحوها من تجارة العملة في بورصات الشّركات الدّوليّة وربحوا مرابيح خياليّة مماّ ربحت تلك الشّركات. تعمّدت شامة فيما بعد خلق أزمة اقتصاديّة في البلاد عبر إدخالها لكمّيّات هائلة من السّلع المقلّدة والمهرّبة رخيصة الثّمن نافست السّلع المحلّيّة الأصليّة منافسة غير أخلاقيّة وسبّبت مشاكل اقتصاديّة عويصة للمؤسّسات الوطنيّة. وقد قامت شامة فيما بعد بشراء أغلبها بالأموال الّتي ربحتها عبر استثمارها في بورصات الشّركات، وصارت لها هيمنة كبرى على الاقتصاد وصارت عموما تفرض على كلّ من يعمل معها التّطبيل لها في كلّ مكان وخدمة مشروعها أن تصبح رئيسة للبلاد.

وفي حقيقة الأمر، كان المجرمون الّذين اشتروا عملة شامة المزوّرة محض صعاليك فاشلين التقطتهم سيّدة الأعمال الأكرانيّة المافيوزيّة يوليا من أجل أن يعملوا معها. وقد كلّفت شامة إكرام أن تتحالف معهم في مشروع مافيوزيّ دولي يتعلّق بتجارة قطع غيار السيّارات المسروقة حول العالم. درّ عليهم ذلك المشروع أرباحا كبيرة وصارت إكرام رئيسة للعديد من الشّركات الدوليّة في هذا المجال.

قامت إكرام بعدها بالتّحالف مع القاضية الشّرّيرة سالمة من أجل أن تساعدها على شراء ذمم عدد من القضاة عبر إدخالهم شركاء في الشّركات المافيوزيّة الدّوليّة الّتي صارت تملكها، فيتمّ استغلالهم لخدمة جبروت شامة وتبييض جميع جرائمها. وتقوم بعدها بتكوين لوبي قضائيّ في البلاد بأكملها تسيطر عليه شامة وإكرام وسالمة يسيطر على سلك العدل في البلاد بأكملها ويحوّل وجهة عدد من القضايا لصالح شامة ويلفّق قضايا خطيرة لأعدائها ومناوئيها ويقهر قضاة البلاد الشّرفاء الّذين يرغبون في الإصلاح.

عقدت شامة ويوليا اجتماعا سرّيّا في مرآب تحت الأرض بعدد من القضاة والإعلاميّين ورجال الاقتصاد والمسؤولين والموظّفين السّامين وزعماء المافيا الّذين صاروا جميعا يكوّنون أسس اللّوبي القضائي والإداري والاقتصادي الّذي أنشأته شامة في البلاد وجعلته يسيطر عليها ويتحالف مع قوى دوليّة نافذة. وقد اتّفقت شامة معهم جميعا على ضخّ أموال طائلة في حملات إعلاميّة دوليّة تطبّل لشامة زعيمة المستقبل البطلة وتخدم مشروعها بأن تصبح رئيسة للبلاد.

  وذات صباح، كانت شامة مع زعيم المافيا الّذي تقيم عنده يتناولان الفطور. قال الزّعيم:"

-لقد أبهرتني حقّا يا شامة، فقد ساهمت في تحسين أوضاعي وأنقذتني من الإفلاس والانهيار.

-لم أقم بغير الواجب فأنت تظلّ معلّمي ووليّ نعمتي.

 -قد صرت أنا الذي أتعلّم منك لا أنت إنّك نابغة قد تفوّقت عليّ كثيرا.

-أنا دوما خادمتك المخلصة سيّدي."

شرعت مخابرات شامة تتعقّب جميع حلفاء ومتعاملي الزّعيم. وفي الآن ذاته، وسّعت شامة من مافياتها ونفوذها في البلاد ومن تأثيرها في العالم عبر التّنسيق بين المافيات الّتي كونتها واستدرجتها وجعلت لها تأثيرا دوليّا غير مباشر عبر استغلالها البشع لموظّف البلديّة وموظّف المحكمة في شبكات فساد غاية في الخطورة، وفي مرحلة غاية في الحساسيّة، قامت شامة ونهى بسلسلة من الاغتيالات المباغتة و الغادرة في حق عدد من الأشخاص المافيوزيّين والنّاشطين والنّافذين. وقد قتلت شامة خلال تلك الحملة قاضيين وإعلاميّ و 3 رجال أعمال وخطيب و 7 مافيوزيّين، في حين قتلت نهى 3 قضاة ورجلي أعمال و 6 مافيوزيّين، جميعهم قتلوا في هجومات منفردة غادرة بعد طول ترصّد و تعقّب من قبل أذرع شامة المخدوعة و المورّطة معها عن وعي.

وذات صباح من ديسمبر، اقترحت شامة على المجرم الّذي تشتغل وتقيم عنده أن يتعاونا في مهمّة للسّطو على مخزن للأدوية الغالية الثّمن ثمّ تهريبها إلى الخارج وبيعها بأسعار أزهد بكثير حيث يكون عمل شامة العمل الميدانيّ من اقتحام وسطو وقتل إن اضطرّت لذلك بينما يقتصر عمل المجرم العجوز على السّطو على شاحنة والهروب بها وانتظار شامة في مكان ما في الغابة بجوار الطّريق الّذي يؤدّي إلى المدينة الغربيّة حتّي يتمّ بعد ذلك تهريب الأدوية على متن تلك الشّاحنة، وقد فعلت نهى نفس الشّيء بالضّبط. وفي مناورة غير مسبوقة، كلّفت شامة صديقتها إكرام ومعينتها منال بنيابة شامة ونهى في مهمّة السّطو على مخزني الأدوية حيث سيكون لشامة ونهى مهام أخرى تقومان بها. وبينما اقتحمت إكرام ومنال مخزني الأدوية بطريقة محترفة للغاية، تسلّلت كلّ من شامة ونهى إلى الشّاحنتين الّلتان يوجد بهما المجرمان في انتظارهما وباغتتاهما بالرصاص من الخلف فأرديتا كليهما قتيلين، ثم رمتا بجثّتيهما في أعماق الغابة.

 عيّنت كلّ من إكرام ومنال مساعدة لها من صعلوكات ريف الجنوب حتّى تنقل كلّ شحنة صغيرة من الأدوية يتمّ السّطو عليها عبر درّاجة هوائيّة نحو الشّاحنة الّتي فيها شامة بالنّسبة لإكرام والشّاحنة الّتي فيها نهى بالنّسبة لمنال. اضطرّت منال إلى قتل رئيس مكتب الحسابات في مخزن الأدوية بعد أن تفطّن إليها، وقد كان ذلك دافعا إلى أن تتوقّف كلّ من إكرام ومنال إلى السّطو عن المزيد من الأدوية وإلى الإسراع بأن تركت إكرام مع شامة ومنال مع نهى، ثمّ تفرّ الشّاحنتين بأقصى سرعة ولم يلمحهما أيّ شخص. ومنذ تلك اللّحظة، اختفت شامة ونهى وانقطعت أخبارهما.

 وذات صباح، جلست نورة رفقة سمحون في المقهى، فقالت نورة: "-إنّنا نمر بوضع حرج جدّا. لقد تعدّدت جرائم شامة.

-إن هاته المرأة مجرمة لم يشهد لها التّاريخ مثيلا. (يجيب سمحون)

- إنّها فاتنة وداهية و مؤثّرة وهي شرّ المجرمين.

-لقد باتت اليوم أكبر تهديد لمستقبل البلاد ولسيادتنا وحرّيّتنا. وقد استشهد صديقي كمال وهو الّذي حذّرني منها ولم أعره اهتماما.

-إننا نعدّ عدّتنا على صعيد دوليّ من أجل محاربتها إعلاميّا واستخباراتيّا.

-وأنا أيضا أجمع الرّجال بمختلف أطيافهم من أجل التصدّي لتلك المرأة ومحاربتها."

******

وفي أوّل يوم من فصل الصّيف، اجتمع سمحون بعدد من الفوارس  والشّعراء، و راح يخطب فيهم قائلا: "نحن قوم لم يكن من شيمنا يوما أن نبادر مسالما بالعدوان وها نحن نلقى العدوان في عقر ديارنا. إنّ لشامة  مخطّطات دمويّة وتدميريّة كبيرة. الشّهداء يسقطون على يديها الواحد تلو الآخر فقط لأنّهم عرفوا حقيقتها. واختاروا الحرّيّة على الخضوع لها. إنّ انتهاكاتها واعتداءاتها على شعرائنا النّاشطين لم تتوقّف."

وفي تلك الأثناء، كانت شامة مشغولة بالقيام بحملتها التّعبويّة بين الشّباب الغافلين حتّى تصبح رئيسة للبلاد، وتدعمها في ذلك ممثّلة لإذاعة نمساويّة مشهورة. وذات ظهر شتويّ، اجتمعت شامة بثلّة من تلاميذ المدارس الفاشلين في إحدى غابات ريف الجنوب، وراحت تخطب فيهم قائلة:"

-جئت أجمعكم اليوم لأنّي أتفهّم أوضاعكم وأحسّ بمعاناتكم وأنا اليوم أقدّم لكم حلّا عظيما وخارقا لجميع مشاكلكم لم تكونوا لتحلموا به أبدا.

-جميل. على الأقلّ وجدنا من يفهمنا ويحسّ بمعاناتنا. (يقول أحد التّلاميذ).

-أنتم تلاميذ ثانويّة مهمّشون ومضطهدون رغم أنّكم عظماء وأذكياء ومبدعون. تنظر إليكم السّلطات وكبار المجتمع نظرة دونيّة والحال أنّكم مستقبل البلاد الّذي سيكون حالكا ما لم تتمّ الإحاطة بكم والعناية بكم كما يجب.

-نحن أذكياء ومبدعون ويمكننا أن نقدّم للبلاد الكثير. لكنّ الجميع يحتقروننا ويرفضوننا وينظرون إلينا نظرة دونيّة.

-ينعتكم أساتذكم بالكسالى والمشاغبين لأنّكم فقط تمارسون حقّكم في التّرفيه وفي ملء فراغكم النّفسيّ وفي إثبات وجودكم فتسلّط عليكم عقوبات جدّ مهينة وهذه فعلا جريمة دولة تباركها القوى الاستعماريّة الدّوليّة الّتي تريد بلداننا في أضعف حالاتها. وتريد شعوبها مكتئبة ومقهورة.

-آه. هو الاستعمار إذا يفعل بنا كلّ هذا. هذا كلام كبير لا يخطر حتّى على بال أساتذتنا. (يقول تلميذ آخر)

-نعم، البرامج الدّراسيّة عندنا متخلّفة ومملّة ورجعيّة وبرامجهم الدّراسيّة هادفة تثير الحافز النّفسيّ للتّلميذ وتحسّسه بقيمته الوجوديّة، وهي البرامج الّتي تصنع أجيالا في بلدانهم تتقدّم بالدّول وتطوّرها وتحسّنها على الدّوام ونحن نزداد تخلّفا وانحطاطا. رجال الأعمال المتجبّرين يسعون دوما أن يزدادوا ثراء وأن يهيمنوا على السّياسة المحلّيّة والدّوليّة بأموالهم، ويريدونكم أن تبقوا مهمّشين لا تملكون أدنى سلطة لفعل أيّ شيء وأنتم فقراء لا تملكون أدنى أمل في تحسين أوضاعكم.

-كلامك جدّ معقول سيّدتي. في مدارسنا ندرس بغير فائدة، وقد باتت أماكن للضّجر والإهانة حتّى اتّخذنا من صالات الدّرس أماكن للنّوم وأساتذتنا يدفعوننا إلى كره التّعليم أكثر فأكثر. (يقول أحد التّلاميذ)

-لكنّي أبشّركم أنّ هذا الوضع لن يدوم معي وحلفائي الأقوياء وشبكاتي الدّوليّة. وأنا أراهن على الشّباب الطّموح والمتحمّس أمثالكم حتّى ينجحوا ثورتنا الطّموحة الّتي أقنعت بها العديد من الإطارات الإداريّة والقضائيّة ورجال الأعمال المحلّيّين وكذلك عدد من القنوات الإعلاميّة العموميّة والخاصّة حتّى يقفوا إلى جانبنا في هاته الثّورة.

-لقد أفحمتنا فعلا. كلّنا جنودك الملتزمون في هاته المعركة. (يردف تلميذ)

-أنا أراهن عليكم أنتم كي تكونوا القادة الميدانيّين وصانعي المرحلة الثّانية من الخطط الاستراتيجيّة والخطط الحربيّة ضد ظلّام البلاد بعد أن ينقضي أجل المرحلة الأولى الّتي صنعتها مع الكبار. نعم، بعد نجاح هاته الثّورة بأشهر قليلة ستصبح بلادنا الفقيرة ومحدودة الموارد سيّدة أمم الأرض ومركز القرار في الكون وستصبحون أنتم الأباطرة الدّوليّون الجدد الّذين سيسيّرون المرافق ونظم الإبداع والأوضاع عموما في العالم. أنتم أباطرة الخير الجدد الّذين سيعوّضون أباطرة الشّرّ القدامى. جميعهم واقفون إلى جانبي ويدعمونني ومناصرون لي وينتظرون قادة مناضلين أبطال حتّى يضعوهم في الصّفوف الأماميّة في الميدان وينصّبوهم المستشارين الأوّلين في التّخطيط الاستراتيجيّ والحربيّ.

-كلام عظيم. سنصبح أباطرة دوليّين بعد أن كنّا تلاميذ فاشلين. سنحصل على الجاه والسّعادة بعد الضّجر والمهانة.

-نعم، لن تحتاجوا بعدها إلى تعذيب أنفسكم بالنّهوض من الفراش في الصّباح الباكر. ولا إلى إهانة أنفسكم بالذّهاب إلى مدارس البلاد المتخلّفة. ولا إلى إجهاد أنفسكم بمذاكرة الدّروس وكلّكم توتّر بسبب الامتحانات. اتّبعوني ولن تندموا وستزدهر أوضاعكم وتنمو سعادتكم ويحصل التّغيير العظيم والمبارك لكم وللبلاد بأكملها. فشدّوا على يديّ وهلمّوا بنا إلى الثّورة بذكاء وحكمة لكن بقوّة وشراسة."

وفي عشيّة ذلك اليوم، اجتمعت سلوى بمساعدتها اليافعة سهى، فقالت سهى:"

 

-اليوم جئت أنبئك بأمر خطير.

-ما الّذي يحصل سهى؟ (تتساءل سلوى)

-إنّ شامة الّتي باتت تعدّ اليوم خطرا يتهدّدنا جميعا عادت لتتحرّك بقوّة وهي تحضّر اليوم رفقة جماهير المغفّلين إلى ثورة وانقلاب في البلاد وهي تعبّئهم كي تصبح هي الرّئيسة. (تردف سلوى)

-إنّها مصيبة حقيقيّة وإن نجحت شامة في مخطّطها فستعيش بلادنا في ظلّها أحلك عهودها. ماذا أعددت لها؟

-اطمئنّي سلوى فأنا أجاهد ضدّ تلك المرأة بكلّ شراسة ودون هوادة. لقد تعقّبت سيّدة أعمال أكرانيّة مشبوهة أتت مرّة إلى بلادنا وهي صديقة لشامة، فقادتني إلى طرف الخيط لعمليّتي الاستخباراتيّة المعقّدة الّتي سأستدرج بها شامة وأعوانها، وهي صعلوكة من ريف الجنوب انتحلت شخصيّة سيّدة أعمال أمريكيّة استغلّتها شامة كي تتحيّل على عدد من التّجّار وتدفعهم أن يوقّعوا عقدا غاية في الخطورة.

-وماذا فعلت بعد ذلك؟ (تتساءل سلوى)

-تعقّبت تلك الصّعلوكة وخدعت إحدى نساء شامة المغفّلات مدّعية أنّي مساندة لتلك الشّرّيرة حتّى تصاحبها وتأتيني بأخبارها، فقادتني إلى ثلّة من الشّخصيّات النّسائيّة الأكرانيّة الغاية في الخطورة اللّاتي يدعمن شامة كثيرا في مشروعها كي تصبح رئيسة للبلاد. راسلتهنّ منتحلة شخصيّة شامة واستدرجتهنّ كي يجعلن أعوان شامة المحلّيّين يتعاونون معي في مهام استراتيجيّة واستخباراتيّة ميدانيّة، وأنا نفسي ادّعيت عليهم فيما بعد أنّي جنديّة شامة المحاربة في الميدان.

-وماذا كانت نتيجة كلّ ذلك؟

-لقد تمكّنت من الحصول على العديد من الأسرار الخطيرة تخصّ شامة ومجرماتها، وسأستعملها كي أؤلّب عليها بعض من خدعتهم من المغفّلين وكي أقبر مشروعها الّذي يهدّد مستقبل البلاد في المهد.

-جميل يا سهى، أحسنت."

 

ذهبت سهى إلى مديرة الإذاعة النّمساويّة الّتي تدعمها في حملتها التّعبويّة ووعّتها بالحقيقة وفضحت لها حقيقة شامة وأطلعتها على عدد من الأسرار الّتي تحصّلت عنها بالوثائق والأدلّة، ولطالما كانت غافلة ومخدوعة تعتقد أنّها تدعم امرأة ثوريّة ستصلح البلاد وتنهض بها والحال أنّها تدعم مجرمة وإرهابيّة من الطّراز الأوّل، فتم تجنيد تلك الإعلاميّة النّمساويّة كي تصبح محاربة استخباراتيّة وإعلاميّة واجتماعيّة سرّيّة ضدّ شامة، وقد أوصتها سلوى أن تحافظ على علاقتها بشامة وأن تواصل التّظاهر بنصرتها ودعمها، وأن تستدرجها وتأخذ منها الأخبار، وأن تفضح حقائقها المرعبة في اجتماعات وندوات إعلاميّة سرّيّة في عدد من أنحاء العالم مع الحرص ألّا يبلغ الخبر شامة، حتّى تتمّ توعية عدد من الجماهير بحقيقة تلك السّفّاحة.

عقدت الإعلاميّة النّمساويّة الّتي صارت ثائرة سرّيّة ضدّ شامة تحالفا سرّيّا مع مديرة قناة تلفزيّة أمريكيّة ومالكة صحيفة دوليّة ثوريّة من أجل خطّة حرب جيدة ومباغتة ضدّ شامة. وقد كانت القناة التّلفزيّة تقوم بتغطية مستمرّة لعدد من الخطب الثّوريّة الّتي كان يقوم بها سمحون وهو يعبّئ شباب العزّة ضدّ شامة ويوعّيهم بمشروعها الخطير، بينما كانت الصّحيفة الدّوليّة تعقد اجتماعات وندوات دوريّة مع هيام وسلوى وجمع النّساء المجاهدات، ويتمّ خلالها استعراض كلّ ما يتوصّلون إليه من حقائق وأسرار خطيرة ومخطّطات مستقبليّة لشامة ونسائها، ويتمّ استعراض الأدلّة والوثائق الّتي تدين شامة، وتتكفّل الصّحيفة بنشر كلّ ما يدور داخل تلك النّدوات وبنشر بعض الوثائق والأدلّة الّتي تدين شامة. وقد صدحت فضائح شامة في عدد من المناطق حول العالم وتمّت تعبئة جماهير متفرّقة من هنا وهناك ضدّ مشروعها المستقبلي أن تصبح رئيسة للبلاد.

وذات صباح ربيعيّ، اجتمعت شامة بامرأة يافعة، وقد كانت شامة ممتعضة جدّا من ذلك الاجتماع وتريد إنهاءه بسرعة. قالت المرأة:"

 

-سيّدتي، أؤكّد لك أنّي جئتك اليوم في أمر غاية في الخطورة وجئت لأتعاون معك في أمور مهمّة.

-أمر غاية في الخطورة وأمور مهمّة (تتعجّب شامة)، ما الّذي يحصل؟ ومن أنت أصلا؟ هيا هاتي ما عندك بسرعة.

-سيّدتي أبشّرك أنّي عميلة ليوليا، سيّدة الأعمال الأكرانيّة صديقتك، ولطالما كنت مخترقة لشبكات سلوى وهيام وأتظاهر بمناصرتهما ضدّك لكنّي أتجسّس على الثّائرين ضدّك.

-آه، يبدو أنّ الأمر خطير فعلا، فهيّا أخبريني بسرعة بما يحصل.

-إنّ سلوى على ما يبدو قد قلبت ضدّك الإعلاميّة النّمساويّة الّتي ما تزالين تعتقدين أنّها صديقتك وهي تتظاهر أمامك بذلك، وهي قد كلّفت قناة تلفزيّة أمريكيّة وصحيفة ثوريّة دوليّة بالتّغطية المستمرّة لعدد من الاجتماعات الخطابيّة الثّوريّة بالنّسبة للقناة التّلفزيّة وعدد من الاجتماعات الصّحفيّة بالنّسبة للصّحيفة، والّتي يتمّ تغطيتها من أوّلها وحتّى آخرها وهي تحرّض الجماهير ضدّك وتدعوهم للوقوف ضدّ طموحك أن تصبحي رئيسة للبلاد وتفضح العديد من الأمور الحسّاسة والخطيرة الّتي تخصّك.

-هيام وسلوى إذا، إنّهما فعلا امرأتين ليستا بالسّهلتين وهما تعبثان معي عبث الوقاحة. سأعرف كيف أتصرّف معهما الآن، وابقي معي على الدّوام فقد أحتاجك يوما في أمور أخرى."

 

******

 

 

وذات صباح، أقبلت منال على هيام، وقالت لها:"

 

-أعلمك اليوم أنّ شامة تعدّ لمخطّط دمويّ خطير في البلاد وتعد لتصفية العديد من شخصيّاتكم وتصفية عدد من الإعلاميّين الدّوليّين كذلك بعد أن اشتبهت في أمر الصّحفيّة النّمساويّة، قبل أن تصبح رئيسة للبلاد.

-لقد صدمتني فعلا، وإنّك تحملين أخبارا سيّئة للغاية، فماذا نحن فاعلات الآن؟ كيف سنوقف تلك الشّرّيرة عند حدّها.

-يسعدني إعلامك أنّي وفريقي الحربي النّسائي لطالما كنّا نتعقّب شامة ونراقبها باللّيل والنّهار ونراقب كذلك صديقاتها ومساعداتها كثيرا، وأنا اليوم أعرف ما تفعله بالتّفصيل ويمكننا أن نخمّن ما برنامجها اليوم وماذا ستفعل بعد قليل وأين ستذهب.

-كلام رائع فعلا، إنّك تحاربينها في السّرّ، علينا أن نقوم ضدّها بخطوة هجوميّة مباغتة على ضوء ما جمعته عنها من معلومات هي ونسائها.

-هذا ما جئتك من أجله بالضّبط. وأنا أطلب منك فورا أن تذهبي معي كي تشاركيني في عمليّة اختطافها على يديّ وعلى يدي فريقي الحربي، وسنسجنها في مكان سرّيّ لن يعرفه أحد. فإن رحل سبب البلاء الأكبر ضعفت الأسباب الأخرى كثيرا.

-لقد أثرت حماسي كثيرا. هيّا نذهب فورا."

 

ذهبت هيام رفقة منال إلى الفريق النّسائي الّذي جهّزته منال جيّدا كي يشاركها مسرحيّة اختطاف شامة. توجّهت جميع النّساء نحو شامة الّتي كانت تحت شجرة الصّفصاف قرب النّهر شاردة الذّهن. أقبلت منال عليها من الخلف وضربتها ضربة خفيفة بهراوة على رأسها، فتظاهرت شامة بفقدانها للوعي. حملت النّساء شامة إلى سيّارة راسية بالقرب من المكان أعدّتها منال للغرض، ثمّ أخذنها نحو مخزن بقول جافّة ودخلت بها منال وفريقها إلى سجن سرّيّ تحت ذلك المخزن. قالت منال:" بإمكانك الآن عزيزتي هيام الانصراف نحو شؤونك، وسنهتمّ بشامة جيّدا ولن نجعلها ترى الشّمس بعد اليوم أبدا." وما أن انصرفت هيام حتّى فتحت شامة عينيها، وقالت:" لقد أبديتنّ أداء عظيما في التّمثيل يا بطلات ونجحت المسرحيّة ونجحنا في خداع هيام الّتي ستخدع بدورها باقي المجاهدات، ويمكننا الآن المرور نحو الجزء الثّاني من الخطّة الّتي سنضلّلهنّ بها أكثر ونبعدهنّ أكثر عن استهدافنا."

استبدّت شامة طيلة شهر بأربع مراهقات، وظلّت تدمغجهنّ وتغسل أدمغتهنّ حتّى أصبحن جنديّات محاربات لصالحها. حرّضت شامة المراهقات الأربع في مهمّة حربيّة. وذات ليلة، كانت سلوى في منزلها تغطّ في سبات عميق. هجمت المراهقات الأربع على منزلها وشرعتا تضربان الباب محاولات كسره. نهضت سلوى مذعورة وسارعت إلى الاتّصال بهيام هاتفيّا قائلة أنّها تتعرّض إلى هجوم مشبوه في منزلها من طرف أربع مراهقات ودعتها أن تجمع المجاهدات وتهبّ إلى نجدتها رفقتهنّ. وفي اللّحظة الّتي تمكّنت فيها المراهقات من كسر الباب وهممن بدخول المنزل، سارعت إليهنّ منال وفريق من النّساء النّاضجات هنّ نفس من شاركن في مسرحيّة اختطاف شامة وانقضضن عليهنّ وأوسعنهنّ ضربا مبرّحا، وقد كانت سلوى تشاركهنّ ضربهنّ. وسرعان ما أقبلت هيام وعدد من النّساء المجاهدات وانضممن إلى النّساء الأخريات وضربنهنّ كثيرا. داست سلوى بقدمها صدر إحدى أولئك المراهقات وقالت لها:"

 

-لصالح من تشتغلن؟ ومن كلّفكنّ بمثل هاته المهمّة القذرة؟

-إنّنا نفعل ذلك من أجل الزّعيمة المفدّاة شامة. ولن نرضى بغيرها حاكمة للبلاد. إنّ تلك المرأة هي أعظم امرأة في العالم ولا يصلح غيرها لحكم العالم.

-وأين شامة الآن؟

-إنّها مختفية منذ أكثر من شهر."

 

قامت هيام بتقديم بعض الإسعافات إلى أولئك المراهقات وقدّمت لهنّ القليل من البسكويت، ثمّ قالت لهن: "الآن ارحلن من هنا بسرعة ولا تعدن أبدا إلى عملكنّ القذر. وإن عدتنّ فسيكون تصرّفنا معكنّ أعنف بكثير."

فرّت المراهقات الأربع بأقصى سرعة من المكان وهنّ سعيدات بنجاتهنّ.

******

وذات صباح، كان ربح جالسا في المقهى يحتسي قهوته السّوداء. أقبلت عليه إحدى المراهقات اللّاتي شاركن سابقا في الهجوم على منزل سلوى ليلا، وقالت له:"

-مرحبا سيّد ربح، إن لم أكن مخطئة أنت الشّاعر العظيم والمناضل الثّائر.

-أنا ربح بن قادر، شاعر ذو خبرة كبيرة. وإنّي لناذر على نفسي الجهاد فداء للخير والحقّ في العالم بأسره وأناشد العزّة والسّيادة والحرّيّة وأنبذ الظّلم والطّغيان والعبوديّة.

-إنّنا ناد للصّحافة نبحث اليوم عن تحالف وتعاون مع الشّخصيّات الفذّة في البلاد أمثالك حتّى نشتغل في مهام كونيّة. وقد وعدتنا معلّمتنا شامة (اضطربت وتلعثمت)، عفوا حنان أنّها ستوصل قضيّتنا إلى العالم بأسره وأنّنا سنسافر كثيرا ونكتشف أماكن عدّة.

-تشرّفني معرفة معلّمتك حنان، وكلّي سرور أن أتعاون معها.

-أشدّد الآن على أنّنا حليفين في مهام إعلاميّة، وإن كان لدينا أيّ جديد فسأزورك في نفس هذا المقهى في نفس التّوقيت."

 

وما إن انصرفت عميلة شامة حتّى طلب ربح من صاحب المقهى أن يعيره الهاتف. اتّصل بسمحون وقال له:" تعال بأقصى سرعة إلى المقهى الغربي فهناك أمر عاجل وغاية في الخطورة أريد أن أخبرك به." وبعد نصف ساعة، أقبل سمحون رفقة ميرا الّتي أصرّت على المجيء معه.

 

-ما الّذي يحصل بالضّبط؟ وما هو الأمر الّذي تركتني أهمل شؤوني وأهرع من أجله؟ (يقول سمحون)

-إنّ شامة تعود من جديد وبقوّة. يبدو أنّنا لن نسلم يوما من تهديداتها ومن مشاريعها الإجراميّة أبدا. (يجيب ربح)

-وكيف حصل كلّ ذلك؟ (يتساءل سمحون)

-اليوم أتتني مراهقة تريد أن تتحالف معي في مهام إعلاميّة واهمة، قل تريد أن تستدرجني من جديد بأسلوب أكثر تطوّرا. وقد فضحت نفسها بزلّة لسان وأنا لم أظهر أمامها أنّي قد اكتشفت الحقيقة. (يجيب ربح)

-صف لي تلك المراهقة. (تسأل ميرا)

-إنّها امرأة طويلة القامة ونحيفة الجسم وبيضاء البشرة شعرها ناعم وأسود وعيناها صغيرتان بنّيّتان أنفها طويل وشفتاها لا هما بالحمرة الدّاكنة ولا هما ورديّتان. (يجيب ربح)

-رائع، سوف نتعاون مع عدد من الأصدقاء كي نتعقّب تلك المرأة. (تقول ميرا)."

وزيادة عن دعم الإعلاميّة النّمساويّة السّرّي للمجاهدين وتعاونها معهم وهي مازالت تتظاهر أمام شامة أنّها صديقتها وحليفتها ومعها الصّحيفة الدّوليّة، تحالف ربح مع عدد من الصّحف الأخرى في أوروبّا وأمريكا، والّتي تمّ استقطابها لنصرة المجاهدين ضدّ مشروع شامة بأن تصبح رئيسة للبلاد، فأقام سمحون العديد من الخطب الحماسيّة وسط الجماهير، والّتي وثّقتها وسائل الإعلام الدّوليّة بالصّوت والصّورة واستعملتها في بلدانها، وعقد ربح عددا من الاجتماعات والنّدوات الفكريّة والصّحفيّة الّتي غطّتها وسائل الإعلام تلك بدورها.

وذات صباح، اجتمع ربح مجدّدا بتلك المراهقة في نفس التّوقيت ونفس المقهى، وهو يتظاهر بعدم اكتشافه حقيقتها وبتعاونه المطلق معها. كانت ميرا تجلس في طاولة مقابلة تراقبها، وقد صارت ميرا تتعقّب تلك المراهقة باستمرار بصفة سرّيّة، وتتعاون مع عدد من نساء المجاهدين كي تتجسّس عليها وعلى أصدقائها في كلّ مكان دون أن يتفطّن إليهنّ أحد. اكتشفت ميرا أخيرا أنّ تلك المراهقة هي في الحقيقة تحت دمغجة وسيطرة عصابات تقودها منال، فانفضحت خيانة منال وكشفت ميرا لجميع المجاهدين أنّ منال عميلة خائنة لشامة قد اخترقت المجاهدين وهي تظهر شراكتها وتعاونها معهم.

وبحكم أنّ سهى لم تكن معروفة لدى نساء شامة المجرمات، أرسلت سلوى سهى إلى منال كي تقيم الصّداقة معها. وذات صباح، اجتمعت سهى بمنال، فقالت سهى:"

 

-إنّ شامة كارثة كبرى. إنّها سفّاحة إرهابيّة من الطّراز الأوّل وهي أكبر خطر على مستقبل البلاد.

-نحن نساء ثائرات مناضلات حقّ نحارب تلك المرأة وأمثالها من طواغيت الأرض.

-إنّي مثلكنّ امرأة تريد أن تحبط مخطّطات شامة الإرهابيّة في الأرض، ولديّ فريق من المتطوّعين الّذين يتعقّبونها ويعرفون كيف يستدرجون نسائها بين الحين والآخر. وأنا اليوم أريد أن أنظمّ إليك أنا وفريقي ونناضل سويّا ضدّ تلك المرأة.

-مرحبا بك يا بطلة، فلنضع أيدينا في أيدي بعض وفلنتعاون لنصنع المجد سويّا.

-أنت أكثر علما ودهاء وخبرة منّي. وأنا أقدّرك كثيرا وأريد أن أتعلّم منك وأستفيد."

 

لطالما أبدت سهى لمنال أنّها امرأة ساذجة وأنّه لا علم لها بشيء عن حقيقة خيانة منال وتبعيّتها لشامة. ظلّت تعتبرها أستاذتها في الظّاهر وتتعاون معها في كلّ ما تطلبها منها، والحال أنّها كانت تتعقّبها فيما بعد وتراقب أنشطتها السّرّيّة مع شامة هي وعدد من المتطوّعين وتنقل جميع الأخبار إلى سلوى وهيام. وقد تمكّنت سهى أخيرا من الحصول على معلومة مهمّة مفادها أنّ شامة تعتزم عقد مؤتمر خارق للعادة رفقة نسائها في مستودع في الحادية عشرة ليلا.

وحّد جميع مجاهدي ريف الجنوب صفوفا برجالهم ونسائهم وذهبوا وداهموا اجتماع شامة ونسائها. كانت معركة المجاهدين الملحميّة الّتي حصلت خلالها اشتباكات عنيفة للغاية بين نساء شامة والمجاهدين. وقد استبسل المجاهدون كثيرا في المعركة فيما بعد حتّى تحوّل ميزان المعركة لصالحهم وسقط عدد من الجرحى من الطّرفين. وبعد أن تأكّد أكثر حسم المعركة الّتي كانت شامة تشارك فيها لصالح المجاهدين، استلّت شامة مسدّسها بأقصى سرعة وقتلت أربعة مجاهدين ثمّ فرّت بأقصى سرعة رفقة ثلاثة من نسائها، وقد كانت هيام وراءها وضربتها بشيء ما.

 

-انتصرنا في المعركة، لكنّ نصرنا لم يكن كاملا. (قالت سلوى)

-صحيح أنّ شامة قد هربت ومن العسير علينا إيجادها من جديد. وهي داهية كبيرة ومناورة محترفة ومحاربة استخباراتيّة وميدانيّة شرسة، لكنّ التّاريخ سيشهد لي أنّي قد أصبت تلك المرأة في ذراعها. (تقول هيام)

-سيّدتي سلوى، لقد قمت بإسقاط ثقل من الفولاذ فوق رأس منال، وهي الآن ليست على ما يرام. (تقول سهى وهي مضطربة وشاحبة الوجه)

-ماذا فعلت أيّتها الحمقاء؟ (تصرخ سلوى) أرجو ألّا تكوني قد قتلتها وإلّا فستكون ورطتنا عظيمة."

قامت هيام وجماعتها بأسر جميع النّساء المنهزمات في المعركة، وقد كانت نساء شامة المتغيّبات عن هذا الاجتماع هنّ نهى وإكرام وبثينة والمراهقات الأربع وجميع عميلات سيّدة الأعمال الأكرانيّة. بينما هرعت سلوى إلى منال الّتي كانت ممدّدة على الأرض وفاقدة للوعي ورأسها ينزف. شرعت تقدّم لها الإسعافات الأوّليّة اللّازمة وهي تجتهد مليّا كي توقف لها نزيف رأسها قبل فوات الأوان، وقد نجحت أخيرا في ذلك ونجت منال. صرخت سلوى في وجه سهى:" هيّا اذهبي بسرعة إلى الصّيدليّة وأحضري كيسا من المصل." هرعت سهى بأقصى سرعة، في وقت حملت فيه سلوى منال نحو السّرير، وبدأت تجري عليها جميع العمليّات الطّبّيّة الّتي تعرفها حتّى تساعدها على الصّمود. وبعد ساعة إلّا ربع، جاءت سهى ومعها كيس المصل، فسارعت سلوى إلى حقنه في وريد منال وبقيت تراقبها وتعتني بها، وقد بدأ وجهها يدلّ على أنّ حالتها تتحسّن بعد المصل. وبعد ربع ساعة، استيقظت منال وأمسكت بيد سلوى وهمهمت بكلمات غير مفهومة، وقضّت سلوى وسهى اللّيلة وهما تعتنيان بها وتسهران على راحتها.

******

وذات صباح صيفيّ، أقبلت عميلة سيّدة الأعمال الأكرانيّة يوليا المندسّة في صفوف المجاهدين على ربح وقالت له:"

 

-سيّد ربح، جئتك اليوم فزعة في أمر غاية في الخطورة.

-ما الّذي يحصل؟ أخبريني؟

-إنّ شامة تعود اليوم بقوّة وقد أعادت جمع قواها وتمتين صفوفها الدّوليّة وكلّها عزم على أن تصبح رئيسة للبلاد كي نعيش في ظلّ حكمها أحلك فترات الجبروت والطّغيان.

-إنّها مصيبة فظيعة، يجب أن نتحرّك ضدّها بسرعة حتّى نتصدّى لها ولنسائها وننقذ البلاد من شرّها.

-جئت اليوم أدعوك أن تجمع الجمع وتخطب فيهم خطبة ثوريّة تعبويّة حماسيّة توعّيهم خلالها بحقيقة تهديد تلك المرأة لمستقبل البلاد وتوحّد صفوفهم من أجل الجهاد ضدّها ومحاربتها."

 

ظلّت المرأة بعدها تتعقّب ربح بصفة سرّيّة بمساعدة فتاتين متطوّعتين. ذهب ربح إلى حمدي وطلب منه بصفة عاجلة أن يبحث له عن قاعة وأن يكتريها لفائدته. وفي الظّهيرة، ذهبت إحدى مراهقات شامة الأربع اللّاتي شاركن في العدوان على سلوى في منزلها، وهي ليست نفس من ذهبت إلى ربح ذات يوم، إلى حمدي وقالت له:"

 

-سيّد حمدي. لقد سمعت من عند أحد الفلّاحين أنّك تريد كراء قاعة من أجل عقد مؤتمر ثوريّ أو ما شابه.

-نعم هذا صحيح.

-يمكنني أن أوفّر لك القاعة لمدّة ثلاث ساعات بأكملها بسعر لا يتجاوز 450 ملّيما لكي تعقد مؤتمرك الثّوريّ.

-عظيم. قبلت عرضك. فأين تقع تلك القاعة.

-إنّها تقع شمال مدينة الرّابحة بعد سفح الجبل الغربيّ قبالة مخزن التّجهيزات التّكنولوجيّة الخردة."

 

سارع حمدي إلى إعلام ربح بالأمر الّذي سارع بدوره إلى جمع عدد كبير من مجاهدي ريف الجنوب معظمهم أصدقاء سمحون في القاعة، وشرع يخطب فيهم خطابا ثوريّا وحماسيّا للغاية يوعّيهم خلاله بخطر شامة على مستقبل البلاد وبمخطّطاتها الإرهابيّة، ويدعوهم للجهاد ضدّها. وفي تلك الأثناء، كان سمحون يحتفل في أحد المنازل رفقة أربع نساء وهم يرقصون على أنغام الموسيقى الصّاخبة ويشربون المشروبات الغازيّة ويأكلون ما لذّ وطاب من الحلويّات. وفجأة، خرجت شامة ونهى من نفقين سرّيين تحت القاعة، وكلّ واحدة فيهما تحمل في كلتا يديها مسدّسين رشّاشين. سارعتا إلى إمطار جميع الحاضرين بالرّصاص في رؤوسهم في وقت قياسيّ لم يتجاوز 36 ثانية فأردينهم جميعا قتلى، وقد تمكّن ربح من الفرار من نفق سرّيّ ثالث غفلت عنه شامة ونهى.

وفي وقت استشهد فيه معظم أصدقاء سمحون ورفاقه في الجهاد غدرا أثناء استماعهم إلى الخطاب الثّوريّ، ما يزال سمحون في قمّة أجوائه الاحتفاليّة مع النّساء الأربع اللّاتي قتلهنّ الملل فاخترنه كي يستمتعن معه. هرعت كلّ من ميرا وهيام نحو المنزل، ووجّهتا إلى سمحون بعد الإشارات بأيديهنّ من النّافذة، ففهم سمحون الرّسالة. اختفى كلّ من سمحون وميرا وهيام من البلاد بعد ذلك، ولم يعرف لهم أثر أو خبر.

للمواصلة

كتبها: طارق خنفير

 

 

 

 

Comments